العدالة المفقودة

موسى الخطيب:

كانت العدالة ولا تزال مطلباً رافق الخليقة منذ البدء، وسيبقى هذا المطلب ملحاً مادام في الحياة ظالم ومظلوم. وهذا المطلب المحمول دوماً من قبل المظلومين في الحياة يتأجج حيناً ويخمد حيناً آخر، وذلك حسب عنف الصراع بين الظالمين والمظلومين، وحسب أسلوب ممارسة الظلم، وبحسب تحسس المظلومين لقضيتهم، هذا التحسس الذي يرتكز أولاً على عنصر التنظيم، وثانياً على عنصر الوعي.

والسؤال الدائم: لماذا يظلم الإنسان أخاه الإنسان؟ وما هي وسيلته إلى ذلك؟

هذه المسألة كثرت في تفسيرها المقولات واتسع إطار هذا التفسير حتى شمل الحياة والطبيعة والإنسان، وتشعبت عن المسألة المذكورة مسائل كثيرة خرجت عن نطاق العصر.

ورغم كثرة التفسيرات فإن جلّها كاد ينحصر في جانب واحد وأكثر من جوانب المسألة، حتى جاء كارل ماركس وأجاب عن السؤال بكامل جوانبه، وبرهن علمياً، من خلال استعراضه التطور للمجتمع البشري، على أن أسباب الظلم الاجتماعي إنما تقوم على أسس مادية تتعلق بعوامل الحياة لدى الإنسان. فقال: لكي يعيش الإنسان لا بد له من امتلاك حاجات أساسية هي الغذاء والسكن واللباس، ولامتلاك هذه الحاجات لا بد من إنتاجها أولاً، أي لا بد من القيام بعمل معين للوصول إلى هذا الإنتاج. وعملياً لابد من استخدام وسائل يستعملها الإنسان لتنفيذ إي إنتاج (كالآلات والأدوات والطاقة وغيرها ثانياً).

وهكذا يقرر ماركس أن حياة الإنسان ووجوده إنما يتوقفان على وجود العوامل التالية: (العمل، وسائل العمل، موضوع العمل) وإلا فإن استمرار الحياة يفقد كل مقوماته.

وللوصول إلى صورة المجتمع الذي تسوده العدالة المنشودة لابد من توفر المقومات التالية:

  • وجود تنظيمات شعبية تضم أغلبية الكادحين المظلومين، على أن تكون الديمقراطية هي الطريقة التي تتشكل وفقها مسيرة هذه المنظمات النضالية.
  • وجود طليعة منظمة تقود جماهير الكادحين وتتمتع بالقدرة الفاعلة والتأثير، لتستطيع بذلك استقطاب الكادحين حول أهدافهم الأساسية والمشتركة.
  • وجود أهداف مشتركة واضحة بناء على تحليل علمي للواقع ودراسة عميقة للكل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع بحيث تصبح معبرة أفضل تعبير عن الفكرة الحياتية. إن هذه المقومات في الحقيقة تشكل العناصر الرئيسية لثورة الكادحين ضد مستغليهم مالكي وسائل الإنتاج، وهذه الثورة لا تأخذ أبعادها الحقيقية ما لم تكن جذورها متأصلة في صراع طبقي نابع عن إحساس الكادحين وتلمّسهم للقهر والإخضاع والحرمان من خلال ممارسة الطبقة مالكة وسائل الإنتاج للسيطرة والتسلط واستثمار جهودهم بشتى الوسائل. إن الطبقة المستغِلة لا تتخلى ببساطة عن الحكم والسلطة، لأنها ترى في الحكم وسيلة تحميها وتساعدها على الاستمرار في استغلال جهود الكادحين، لذلك يتحتم أن يكون مطلب الكادحين من خلال الثورة إسقاط حكم المستغلين وجعله جماهيرياً ديمقراطياً يوفر الحماية لكل الجماهير.

إن وحدة المصلحة، التي هي استغلال جهود الكادحين والوصول إلى الربح الأكبر، والتي تجمع المستغِلّين ضمن إطار الاستغلال وهدف الربح، تجعلهم يشكلون، من حيث اضطرارهم للدفاع عن مواقعهم هذه الجبهة، يتجاوزون من خلالها كل التناقضات التي قد تحصل بينهم، ويوجهون كامل قواهم ووسائل حمايتهم باتجاه استمرار إخضاع وإذلال الطبقة الكادحة، لتبقى نتيجة لذلك على استمرارها في الاستفادة من قوة عمل الكادحين التي تعتبر المنبع الوحيد للربح في العمليات الإنتاجية.

العدد 1105 - 01/5/2024