الثورة المضادة في قلب ما يسمى الربيع العربي

محمد علي شعبان: 

ليس مستغرباً أن يقول معظم السوريين إن ما جرى في سورية ليست ثورة وحسب، إنما لقد حصلت ثورة مضادة قامت بها دول أعداء الدولة السورية، بقيادة صهيوأمريكية وأدواتهما من دول الرجعيات العربية وتركيا. وهي مضادّة بكل معنى الكلمة ودلالاتها: فهي مضادّة للتغيير، رغم أنها رفعت شعار التغيير، ومضادة للحرية، رغم أن المتظاهرين قد ردّدوا هتافات تنادي بالحرية، وتقول: (الشعب بدّو حرية!). من هنا نلاحظ أن هناك جهة ما تتحدث باسم الشعب، ولو أن الأمر طبيعي لسمعنا هتافاً يقول: نريد إسقاط النظام أو نريد حرية! رفعت شعار (واحد_ واحد_ واحد_ الشعب السوري واحد)، وكانت ضد وحدة الشعب السوري، ما دام قد تبيّن على ضوء النتائج، أن هناك من يعمل بالخفاء لتقسيم الوطن السوري على أسس طائفية ومذهبية ومناطقية.

لذلك، من حقّ كلّ سوري أن يقول: إن ما جرى في بلادي ثورة مضادة، بكل معنى الكلمة. وبالرغم من توفر كل العوامل التي تستدعي قيام ثورة حقيقية، ليس في سورية وحسب، إنما في المنطقة العربية جملة وتفصيلاً، لكن الشروط الثورية لم تكن ناضجة في داخل بلدان الربيع العربي، رغم أنها كانت تسير باتجاه تشكيل وعي جمعي وثقافة جديدة تطورت تدريجياً بعد إطلاق العديد من المحطات الفضائية التي دخلت بيوت الناس، شوقاً منهم للتحرر من إعلام السلطات المفروض عليهم منذ ولادتهم.

وبعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، والضريبة الباهظة التي دفعتها قوى العدوان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بالاحتلال المباشر لكلا الدولتين، أصبح لزاماً على الإدارة الأمريكية تغيير التكتيك الذي اتبعته، لتتمكن من توليد شرق أوسط جديد، كانت قد وعدت به شعوبها وشعوب أوربا، تُطمئنهم أن الخطر الإسلامي في طريقه للتلاشي، وأن من حق الكيان الصهيوني أن يعيش بأمان بجوار دول عربية، ضعيفة وهشّة، منشغلة بخلافاتها الداخلية وصراعاتها المذهبية والحروب الأهلية.

إن هذه التطلعات والطموحات عند الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها اقتضت تغيير التكتيك من احتلال مباشر، إلى خلق صراعات داخل كل دولة من دول الربيع العربي، وإدارتها بما يخدم مصالحها، لسببين أساسيين:

الأول: تقليل خسائرها إلى أقصى حدّ ممكن، وخلق استثمارات جديدة لبيع الأسلحة ومضاعفة أرباحها بوسائل متعددة تعود للخزينة الأمريكية. لذلك اتخذت العديد من الإجراءات، أهمها:

ا- شراكة الإسلام السياسي المتمثل بالدور التركي والقطري، مع تفهّم المشروع الخاص لكلّ منهما، وتجديد اعتماده من قبل سيده الأمريكي.

ب- إشراك السعودية ومن في تحالفها، من الدول الخليجية، في القيام بدور هام لخدمة المشروع الأمريكي في المنطقة.

الثاني: تعميق الانقسام بين الطرفين، وإدارة صراع خفي بينهما تشرف عليه أمريكا والكيان الصهيوني، وخلق عدو جديد متمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. تستطيع أمريكا تجنيد حلفائها لمعاداته، لتمنع أيّ تقارب إيراني مع أي دولة خليجية من جهة، وجعل إيران فزاعة دائمة لهم من جهة ثانية، وممارسة الضغط على الدول الخليجية لإشهار علاقتها مع الكيان الصهيوني، بغية إجبارهم على تشكيل جبهة واسعة لمواجهة إيران، فيما لو اقتضت مصلحة التحالف الصهيو أمريكي ذلك، مما يجعل المنطقة حقل ألغام يُمنع التجول فيها إلا بموافقة اللاعب الأمريكي.

استشعرت الإدارة الأمريكية حالة الوعي ثقافياً وسياسياً التي تتشكل في معظم البلدان العربية، ورصدت تنامي الفكر المقاوم الذي انتشر في العديد من الأقطار العربية، بعد حرب تموز 2006 وهزيمة الكيان الصهيوني فيها، فسارعت لإجهاضه وتشويهه وقطع الطريق أمامه، وعملت على تشويه فكرة الانتصار. وكانت قد حمّلت حزب الله اللبناني مسؤولية الدمار الذي حل بالبنية التحتية للدولة اللبنانية.. وقد ساعدت السعودية وبعض الدول العربية في ذلك التشويه.

لقد شاهد السوريون هذه الأحداث بأدقّ التفاصيل، ويعرفون جيداً الدور الذي قامت به الرجعيات العربية، منذ احتلال فلسطين إلى الآن. وقد صُعقوا بخبر قيادة الحراك في سورية من قبل الدول الرجعية والعميلة.

إن ذاكرة السوريين مازالت حية، ولن ينسوا بسهولة ما حلّ بأشقائهم الفلسطينيين، وكيف تخلّت دول النفط عن دعمهم ومساعدتهم. ولن ينسوا ما فعلت تركيا بالوطن العربي خلال فترة الاحتلال العثماني له، ومازال جرح لواء إسكندرون نازفاً. فهل يعقل أن يصدّق الشعب السوري ونخبه السياسية، أن ثورة تطالب بالحرية والديمقراطية وتوزيع الثروة بشكل عادل، تقودها السعودية أو قطر أو تركيا؟!

إن جميع هذه الدول هي أدوات في مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن أن تكون سوى أدوات.

لذلك يخرج المواطن السوري ويقول: رغم رغبتي في التغيير، والحلم الذي أعمل من أجله، فإنني على قناعة راسخة أن الثورة المضادة هي من صناعة وتدبير أعداء سورية، لأن أولئك الأعداء لا يريدون لسورية سوى الدمار.

العدد 1104 - 24/4/2024