البطاقة الذكية وانتظار تحسين مستوى المعيشة

د. سنان علي ديب:

اللعب على وتر التأزيم واستغلال أي فجوة في تأمين المستلزمات الحياة المعيشية وخاصة مواد الطاقة أصبحت نغمة قوية يلعب عليها أطراف متناغمة، لعرقلة الحل السياسي السوري، وعدم الوصول إلى بيئة داخلية قادرة على فرض الحل بما يتمناه ويتقاطع عليه أغلب الشعب السوري، وبما يتماهى مع ما حققته ثلاثية الشعب والقيادة والمؤسسة العسكرية، ليكون الإرهاب الاقتصادي هو البديل، وذلك لابتزاز سورية ومحاولة تحريض الشعب عبر تضخيم الأزمات واللعب على الوتر العاطفي لشعب صبر صبراً تعجز عنه الشعوب، وهو ما وجدناه في أزمات الكهرباء والغاز واليوم البنزين، فمواد الطاقة تعد العصب والمحرك لمجمل نواحي الحياة، واللعب على الوتر النفسي عبر التضليل الإعلامي وأقلام وصفحات تواصل اجتماعي تابعة لجهات فاسدة ودول لا تريد أي حل إلا بما يعطيها حصة، أو لا تريد حلاً وهدفها استمرار نزيف الدم السوري بديلاً عن انتقال الفوضى إلى بلدانها ضمن المخطط الإمبريالي الأمريكي لما بعد العولمة. وهو المخطط القائم على التحكم التام بمواد الطاقة عبر السيطرة على المنابع وطرق النقل وخطوط الإمداد، وهو ما جعلها تطلق العقوبات وتحاصر الدول ولو خارج القوانين الدولية، ليصل الشعب إلى مرحلة الانفجار، وهذا ما حصل، ولكن لم يصلوا إلى مبتغاهم. فالمراقب للاختناقات وللضغوط وللازدحام الحاصلة في بلدنا على محطات البنزين يقرأ أن الموضوع هو نقص إمداد، علماً أن أغلبه ردة فعل على إشاعات مغرضة بأن السعر سيرتفع من جهة، وكذلك بعض الإجراءات الارتجالية التي زادت الازدحام بدلاً من تخفيضه، فما يوجد هو ازدحام ناجم عن التحريض المبني على التضليل، وليس فقدان للمادة بالشكل الذي تكون نواتجه ما نجده. فالمسبب هو الإشاعة بأن سعر المادة سيرتفع خارج البطاقة الذكية، هذه البطاقة التي كنا من أوائل من رفضها قبل الحرب المركبة، لأن مؤشراتنا ومقدراتنا الاقتصادية كانت من الجودة والاكتفاء والفائض بما لا يبرر أيّ تغيير في النهج، أو طرح موضوع الدعم وغيره، والذي كان شماعة لانقلاب اقتصادي كان مدخلاً لتغيرات بنيوية وانتقالات بشرية سهلت من تمرير الحرب القذرة، ولكنها في الفترات الأخيرة أصبحت ضرورة لأسباب متعددة، منها محدودية الموارد وزيادة الاستهلاك، فإعادة الإعمار، وإعادة الانطلاقة الاقتصادية، وعودة أهلنا لسوريتنا ومناطقهم الأصلية، زاد بالطلب مترافقاً مع زيادة العقوبات والحصار وفرض شروط صعبة للتوريد، وهو ما نجم عنه ضغط كبير وجدناه في أزمة الغاز، وكان الحل الذي حل الأزمة هو استخدام هذه البطاقة التي حلت تدريجياً أزمة الغاز المنزلي التي حاول البعض افتعالها كابتزاز وإرهاب سياسي، ولم يكن هناك أزمة بنزين قبل الإشاعة، رغم استعمال البطاقة الذكية وخاصة بمحافظة اللاذقية. البطاقة الذكية التي كان حجم التوفير اليومي حوالي 5,1 مليون لتر كانت تهدر وأغلبها يهرّب، وجزء منها يتاجر بها أصحاب الكازيات، والوفر المحقق حسب تصريحات الحكومة 675 مليون ليرة يومياً وحوالي 243 مليار سنوياً وهو ما يشكل 18 من كتلة الرواتب والأجور، وهو ما يعادل قيمة الدعم المعلن والمفترض من الحكومة.

إن توزيع البنزين وفق البطاقة طريق لتوصيل الدعم لمستحقيه، فكون وسائل النقل الجماعي الخاصة والتكاسي ستعطى مخصصات تكفي حسب استطلاعاتنا للقيام بالعمل وفق المعتاد. أما بالنسبة للسيارات الخاصة فالكمية تكفي للأغراض الاعتيادية. وأما من يقتني سيارات فوق 1600 فاقتناؤها يضع هؤلاء ضمن الطبقة الغنية وضمن الرفاهية التمييزية عن المجتمع ولن يؤثر عليهم السعر الآخر إن اتخذ القرار. وحسب استطلاعات الإشاعة جهلت الأغلبية في استنفار لملء الخزانات، ولو لم يكونوا بحاجة رغم ساعات الانتظار. وهو ما عانيناه وكان من مسببات أزمة الغاز. المهم ليس تأمين الحاجة فقط، وإنما ملء ما يوجد من عبوات غاز فارغة. قد يكون تخصيص 20 ليتراً فقط للسيارة الخاصة و40  للعامة كل يومين قد زاد الازدحام، وهو غير موقف ما دامت السلعة متوفرة. ويبقى موضوع مخصصات السفر يجب توظيف مكتب بكل محافظة أسوة بإذن السفر ولكن ضمن روتين سهل وتدفق سهل. عدم وضع الناس بثقافة أزموية ووجود مغرضين مرتبطين بدول همّها ابتزازنا سياسياً وخسارات الفاسدين من تعميم هذا المسار، وبعض الاغبياء المرتبطين الذين هدفهم تشويه صورة الحكومة ممثلة برئيسها، ويبقى عتبنا دوماً على الإعلام الذي يجب ان يعيد الثقة بين المواطن والحكومة عبر شخوص ثقة حقيقية. لإخوتنا وأهلنا نقول: الموضوع أكبر من أزمة غاز وبنزين، ولاحقاً لا نعرف، وأكبر من موضوع حكومة، الموضوع إرهاب اقتصادي لتحويل سورية إلى دولة فاشلة.

التعاون الوطني الحقيقي بين الشعب والحكومة والوطنيين كفيل بالوصول إلى حل سوري يعيد سوريتنا ويقوض مصالح الآخرين. وأخيراً إن السير بموضوع البطاقة الذكية سيكون عنه فوائض وسيحدد الطلب من السلع الرئيسية، وتحديد هذا الطلب كان من مبررات عدم السير باتجاه سياسات نقدية تعطي الليرة السورية حقها هذا السعر الذي ضخم الفجوة بين حاجات أسرة مكونة من 5 أشخاص وما يجب أن يكون مدخولها لتأمين حاجياتها ب325 ألف ليرة سورية وسط متوسط أجور يقارب 30 ألفاً وكان أحد خيارات تحسين مستوى المعيشة هو تحديد سعر صرف مناسب مع ضبط أسعار، فهل سيكون هذا الخيار لاحقاً لاستخدام البطاقة الذكية عبر التحكم بالطلب. إن الحكومة أبلت بلاءً حسنا في العمل كخلية في اتجاه إعادة البنى التحتية وتأمين متطلبات إعادة الانطلاقة الاقتصادية والكثير من التغيرات الإدارية التي لم تقنع، وبالتالي المراهنة عليها للاستمرار بما يقوض مشاريع التآمر ويعطي الشعب جزءاً مما يستحقه هذا الشعب الذي يريد العدالة بين جميع أفراد المجتمع كبوصلة لتحمّل أقسى ما يمكن من أجل سورية ووحدتها واستعادة السيادة. الموضوع الاقتصادي المعيشي والإحاطة بالفساد عبر قانون يحيط به ويزيد موارد الدولة والعمل لإعادة اللحمة عبر حلول سورية تنطلق من مبدا سورية الهمّ والأهم، كلنا أخطأ والمسامحة طريق الحل السوري.

 

العدد 1105 - 01/5/2024