حس المسؤولية وانعدامه في مجتمعاتنا!

حسن البني:

إن أيّ منصب في أيّ بلد في العالم، هو منصب مهمّ يحتوي على مسؤوليات وطنية ومهام كبيرة، وليس مجرد لقب يتبوؤه البعض من أجل الاسم فقط، بل هناك صفات معينة يُفترض أن يتمتّع بها الشخص المؤهّل لهذا المنصب، أهمها النزاهة والفضيلة والثقة بالنفس، وتلك الصفات هي ذاتها التي تدفعه للشعور بالتقصير والاعتذار أو تقديم استقالته علناً عند اللزوم، لإحساسه لا شعوريا بالذنب وتأنيب الضمير، وهو ما يحدث غالباً في الدول المتقدمة ليس لوظيفة الوزير فحسب بل أحيانا لمديري الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسيات، فمن يُدير هذه الشركات ليس معصوماً عن المحاسبة والمساءلة القانونية تبعاً لقوانين تلك الدول، خصوصاً في حالات مثل الفساد واستغلال البعض صلاحياته الوظيفية لتحقيق مصالح شخصية، ومثال على ذلك ما حصل مؤخراً في اليابان من إحالة المدير العام التنفيذي لشركة نيسان العالمية (كارلوس غصن) للقضاء واتهامه بالفساد وجمع مال غير مشروع من استثمارات الشركة. وحتى المناصب العليا في اليابان مُعرّضة للمساءلة، وللأسف نلاحظ حتى في الدول المتقدمة والنامية من يُتَّهمون بالفساد من الوزراء بعضهم من أصول عربية، ولجوء الوزير منهم للاستقالة لا يُعدُّ نوعاً من الهروب أو الانهزامية كما يحصل في مجتمعاتنا العربية، بل ينبثق من وازع المسؤولية الوطنية التي يشعر بها، وشتان بيننا وبينهم أيضاً، فالوزير في مجتمعاتنا العربية لا يُسأل عن تقصيره أو إهداره للمال العام بالاختلاس والفساد عند لجوئه للاستقالة، ممّا يجعلها تبريراً لأخطائه، والأجدر ألاّ تُقبل استقالته إلى أن يجري استجوابه في مجلس الشعب ومحاسبته على التقصير في أداء مهامه، كما يجب معرفة مصدر الثروات التي جمعها بعضهم، لأن هذا المنصب هو واجب وطني قبل كل شيء وليس مصدراً للدخل فقط. فالمراقب لمجتمعاتنا يلاحظ انعدام الحسّ بالمسؤولية في جميع المستويات، ممّا يُحفّز على انتشار مفاهيم اليأس والأنانية وانعدام الطموح والاتجاه نحو السلبية في مواجهة أحداث المجتمع، وذلك يُشكّل عائقاً أمام عملية البناء والتعمير.

وبالرغم من أن شبابنا يتمتّعون بالطّاقة والقدرات الكافية التي تدفعهم للشعور بالمسؤولية وتحقيق الذات والانتماء للجماعة، سواء في الحياة الشخصية أو العامة، فهم لا يقلُّون قيمة عن شباب العالم المتقدّم سوى بحاجتهم إلى تعزيز مفاهيم الثقة بالنفس والفضيلة والتحلي بالأخلاق النبيلة بما لا يتعارض مع طموحهم في تحقيق ما يصبون إليه، فالهدف النهائي بعد تعزيز تلك المفاهيم هو الوصول إلى رفع مستوى الإنتاجية لدى الشباب في سوق العمل، للّحاق بركب الدول المتطورة في العلوم والتكنولوجيا الحديثة، والاتجاه نحو رؤية إيجابية للشباب في المستقبل تجعله قادراً على تحمّل الواجبات والمهام الوطنية الموكلة إليه، وفي الوقت ذاته تدفعه للتّخلي عن تلك المهام في حال عدم إنجاز المطلوب بالشكل الأمثل.

العدد 1105 - 01/5/2024