الاستقالة.. حضارة أم هروب؟

إيمان أحمد ونوس:

تُعتبر المناصب الوظيفية، كبيرة كانت أم متواضعة في الدول المُتحضّرة، مسؤولية اجتماعية وأخلاقية تصبُّ في خدمة المجتمع والدولة على حدٍّ سواء. كما يُنظر إلى المسؤول على أنه موظّف كغيره من الموظفين من حيث الحقوق والواجبات الوظيفية، ولا يُستثنى من أيّة عقوبة يستدعيها تقصيره في المهام الموكلة إليه. وبناءً عليه نسمع أو نقرأ بين الحين والآخر عن استقالة مسؤول رفيع المستوى حتى بسبب خلل أو خطأ في أداء الجهة المسؤول عنها، فهو ينبري للاعتذار عمّا حدث مع شرح الأسباب ومن ثمّ تقديم الاستقالة من منصبه علناً دون أدنى خجل أو خشية استناداً إلى النظم الداخلية للمؤسسات، وأيضاً إلى الدستور الذي يقود عمل الحكومة ويحمي الدولة والمجتمع معاً، ذلك أن المناصب والمسؤوليات في تلك المجتمعات هي تكليف وإشراف، وليست تشريفاً أو جائزة ترضية كما يحدث في الدول المتخلّفة أو النامية. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلُّ عن الثقة بالنفس والرقي في التعامل مع المنصب والمسؤوليات التي تهدف إلى الصالح العام بالدرجة الأولى دون النظر إلى المصالح الشخصية الضيّقة.

وإذا ما أردنا أن نُجري مقارنة مع واقع مشابه في بلداننا، فإنها ستكون مقارنة ظالمة سواء لنا أو لتلك الدول المتحضّرة، ذلك أننا، حكومات وشعوباً، اعتدنا على أن المناصب ما هي إلاّ ملكية شخصية للمسؤول المعني، يفعل بها ما يشاء دون حسيب أو رقيب، ما يمنع أيّة محاولة نقد مهما كثُرت الأخطاء أو استفحل الفشل في أداء القطّاع أو الجهة المسؤول عنها مهما كلّف ميزانية الدولة من أموال، مُحتمياً بالشعارات والوطنية الخلّبية التي تدفعه للتشبّث بمنصبه إلى آخر رمق يملكه. وهذا لا يُمثّل سوى هروب فاضح من تحمّل المسؤولية أو الاعتراف بأنه ليس في المكان المناسب لمؤهلاته العلمية أو العملية، وإنما بحكم المحسوبيات والصلات الاجتماعية أو تلك القائمة على مصالح شخصية بحتة. كما أنه يُمثّل ثقافة رسمية ومجتمعية قائمة على النفاق والاستعلاء والاستكبار بالمنصب أكثر من الإنجازات التي تخدم الفرد والمجتمع والدولة. وهذا يؤدي إلى بقاء المسؤولين في مناصبهم حتى أجل غير معلوم، ما يُعيق ويُبعد الشباب عن دورهم في إبداء رؤىً حضارية مُتجدّدة ترتقي بالشعوب والحكومات إلى مستويات توازي العالم المتحضّر علمياً واقتصادياً واجتماعياً.

العدد 1104 - 24/4/2024