الحالة البوتفليقية أهم أسباب التخلف العربي!

سامر منصور:

استقالة أي مسؤول مهم في بلداننا العربية ليست سوى طرد له من منصبه بطريقة لبقة، إذ يوعز له الحزب الحاكم بالاستقالة فيلبي صاغراً.. وربما نتساءل لماذا لا يستقيل المسؤولون العرب؟ قد يحمل عدم وجود استقالات في صفوف المسؤولين العرب مؤشرات لمسائل عدّة، تتلخّص بالتالي:

أولاً_ نادراً ما يصل مسؤول إلى منصب مهم دون وجود (شلة) ما أو عصابة فساد أو رأس في القيادة دفعه نحو المنصب، وبالتالي هو مرتبط بأجندة هؤلاء.

ثانياً_ الرقابة الرخوة، وما تؤدي إليه من فساد يحميه المنصب الذي يضمن علاقات وصلات وتدفق الأموال بطريقة غير شرعية، وكذلك الحصانة في بعض الأحيان، ما يدفع المسؤول للبقاء مسؤولاً حتى الموت كي يأمن المساءلة والمحاسبة وانقلاب الناس عليه.

ثالثاً_ عدم وجود كفاءات في معظم المناصب، والدليل هو لسان حال الواقع، فقد سبقتنا سنغافورة وماليزيا وكل دول الخليج في الكثير من مناحي التقدم الحضاري. فعندما يثب مسؤول غير كفء إلى منصب ما ويحصل على قيمة معينة يرافقها (بريستيج) اجتماعي، فهو ينبهر بهذا المركز ويتمسّك به يقيناً منه بأنه إن خسره فلن يصل الى شيء آخر في حياته، ولأنه يدرك أنه ليس ذا قيمة بذاته ولا يمتلك الكفاءة اللازمة.

رابعاً_ الذهنية العربية القائمة على الشخصنة والتفاضل لا الموضوعية والتكامل.. فنظرة العربي ضيّقة لأنه يأخذ الأمور على محمل شخصي، فيعتبر الفشل متمثلاً بخسارة الكرسي أو عدم الانتقال الى منصب أعلى، وبنظره ليس الفشل في التقصير بالعوامل الموضوعية لإدارة المؤسسة.

خامساً_ تحوّل وصول غير الأكفاء والشخصيات النمطية إلى المناصب عبر الأحزاب العربية الحاكمة إلى ظاهرة، ممّا يجعل المسؤول حين يقارب ويقارن بين أدائه وأداء سواه، فإنه يجد نفسه مقبولاً نسبياً.. ومن الطبيعي أن يتشبّث الصغير بما يُعليه ويُكبّره، أما الكبير فينظر إلى المنصب كمسؤولية ثقيلة يُزيحها إلى من هو خيرٌ منه بمجرد أن يجده.

سادساً_ ثقافة النفاق والولاء للأشخاص لا للأوطان أو المؤسسات، وقد كرّستها الاحزاب العربية الكبرى حين شرعت في ممارسة القمع ومصادرة الفكر. وبناء المجد والصروح العاليات في مضمار الشعارات والكلام لا الواقع. وقد انسحبت ثقافة الولاء للأشخاص والتطبيل لهم إلى درجات أدنى وصولاً إلى مديري الدوائر الحكومية.

سابعاً_ عدم وجود رأي عام حقيقي يُعبّر عن رضا الشعب أو عدم رضاه عن أداء مسؤوليه في ظلّ سياسات القمع والتعتيم والكبت وتعويم الإيدولوجيا وفرض رؤى وآراء الحزب الحاكم في كل بلد عربي عبر القنوات التربوية والإعلامية وغيرها. وبالتالي ليس هناك دافع لدى المسؤول للخوف على سمعته أو القلق إزاء رقابة شعبية أو مؤسسات مدنية… الخ، بل ليس يهتم إلاّ برأي قياداته الحزبية والرسمية. وهذا ما بدأ ينحسر في ظلّ تنامي استخدام العرب لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ بدأنا نتلمّس ملامح الرأي العام الحقيقي.

ثامناً_ الفساد الرقابي الهائل الذي يغطي أخطاء المسؤولين، والإعلام الرسمي الذي هو أقرب الى إعلان يروّج ويُلمّع الأداء المؤسساتي، لأنه تابع لمصدر قيادات المؤسسات نفسه: (الحزب الحاكم). أقرأ منذ الصغر خبر حريق لمستودعات مؤسسات حكومية جرّاء ماس كهربائي.. وخاصة عندما يكون هناك اقتراب لموعد جرد سنوي، ونكاد ندخل موسوعة غينس كعرب في هذا الصدد.

تاسعاً_ المكاسب التي ترافق تولي المنصب. مع الأسف نحن في مجتمعات فشلت حتى الآن في الوصول إلى دولة العدالة والمساواة، لذلك يلوذ الناس بالمعارف والعلاقات الشخصية لتحصيل حقوقهم ونيل استحقاقاتهم، ويكسبون هذه العلاقات عبر الهدايا والتودّد والتملّق لأصحاب المناصب، وبالتالي المسؤول قادر على تحصيل استحقاقاته واستحقاقات أولاده وذويه ما دام هو في منصبه.. أما دون منصب فسيغدو مواطناً في بلد الخيار والفقوس، وسيعود ليخشى الفقر والظلم.

وختاماً أقول: لولا وجود قانون التقاعد لوجدنا المسؤولين يُحمَلون بكراسيهم وليس بالتوابيت نحو القبور، وكشاهد على قولي هذا انظروا إلى قيادات العديد من المؤسسات الفلسطينية في الدول المُضيفة حيث لا يوجد سلطة تأمر بتنحي تلك القيادات ممّا يجعلنا نرى بعضهم في منصبه الرسمي رغم تجاوزه للعقد الثامن من العمر، رغم أن هناك مؤسسات تتطلّب بماهيتها الدينامية والحداثة والتجدد كالمؤسسات العسكرية والثقافية، إلاّ أن القائد الكهل يسعى لإخفاء كهولته بالإكثار من الكهول حوله في إدارة المؤسسة كي لا يبدو حالة نافرة وشاذّة، وهذه مسألة غاية في الخطورة. نحن العرب أمام مسؤولين يرفضون التقاعد، لذا من المبكّر الحديث عن انتشار ظاهرة استقالة المقصرين نسبياً طواعية.

العدد 1104 - 24/4/2024