(التعليم المفتوح) هل يحمل مبدأ (مفتوح للجميع) ؟!

حسن البني: 

يرجع الفضل في ظهور فكرة الجامعة المفتوحة إلى (هارولد ويلسون) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عندما كان زعيماً للمعارضة في مجلس العموم عام 1963، فقد طالب بتكوين ما سُمّي (جامعة الهواء) لتكون جامعة تعتمد على الدراسة في المنزل باستخدام أجهزة الإذاعة والتلفزيون كوسائل أساسية في العملية التعليمية. وعام 1969 تغيّر الاسم إلى الجامعة المفتوحة.

وكان نظام التعليم المفتوح قد أُحدث في الجامعات السورية بموجب المرسوم 383 الصادر عام 2001 واعتُمِدَ من ضمن الجامعات الحكومية في القطر التي يُدفع فيها رسوم مدروسة ومُخفّضة للمقررات. والهدف الرئيسي من إنشائه هو إتاحة فرصة ثانية لأولئك الذين حرموا من التعليم لسبب أو لآخر، وبذا فهو يختلف عن مبدأ الجامعة المفتوحة العالمي بسبب اعتماده على مقررات دراسية يُخصّص لها كتب ومحاضرات تسمى (لقاءات دورية) تقام يومي الجمعة والسبت أسبوعياً، وتقسم إلى فصلين دراسيين كما في التعليم النظامي، وهو يتيح للموظفين في القطاع الخاص والعام فرصة إكمال دراستهم دون تعارض مع عملهم وتعديل وضعهم الوظيفي بما يتناسب مع تخصصهم.

غير أنه في الآونة الأخيرة بدأت تظهر العديد من السلبيات الناتجة عن سوء تطبيق الأهداف التي أُسِّسَ من أجلها، فما يحدث أن طلاب التعليم المفتوح لا يحصلون على الاهتمام المطلوب مثل أقرانهم في النظامي، علماً أنهم يدفعون رسوماً غير قليلة للمقررات والتسجيل (مُعرّضة للزيادة كل فترة)، في حين يدفع الطلاب في النظامي رسوماً رمزية للتسجيل والكتب. كما يُعاني الطلاب من عدم حصولهم على التدريب العملي المناسب لتأهيلهم لممارسة التخصص بعد تخرجهم. ومن القرارات الجائرة وغير المدروسة التي اتُّخِذت مؤّخراً هو زيادة رسوم المقرر عند الرسوب من5000 ل.س إلى6500-7500 ل.س، فقد لاحظنا من جديد تعمّد تصعيب الامتحانات والتصحيح التعسفي وسوء توزيع الدرجات على الأسئلة، فصارت معاناة الطالب أشدّ في النماذج التقليدية التي يُعمدُ فيها إلى الإقلال من الأسئلة والتوزيع العالي للدرجات، ممّا يحرم الطالب من فرصة ترفيع المادة، ولم نعد نعلم حقيقة سلم التصحيح المُتَّبع أو الطريقة التي يتّبعها أستاذ المقرر في تصحيح الأوراق، ممّا يؤدي بغالبية الطلاب في النهاية للرسوب ودفع الزيادة التي يعجزون عن دفعها في ظلّ الظروف الحياتية القاسية. فبدل المساهمة في تخفيف معاناة الطلاب وتخفيض الرسوم، أو على الأقل إعادتها كما كانت منذ عام 2002 حين كان رسم المادة 3000 ل.س، نلاحظ زيادة الأعباء المالية على الطلاب.

ومن السلبيات التي لا تنتهي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، المقررات القديمة التي لم تتغيّر حتى الآن، بينما تحتاج دائماً إلى التعديل والتطوير، إضافة إلى الكم الكبير المقرر لبعض المواد والتي يأتي امتحانها تقليدياً في حين يُفضَّل أتمتة المادة مقابل الكم المطلوب، والوقت غير المدروس المخصص لمدة الامتحان، فأحياناً ساعة أو ساعتين لا تكفي لأن الأسئلة بحاجة إلى وقت كافي للتركيز والإجابة. وكذلك الطريقة الخاطئة التي يعتمدها المُدرّس في التعامل مع المقرر، إذ يعتقد أحدهم أن الطالب يسأل وهو يجيب دون أن يُكلّف نفسه بالشرح الكافي لفهم المقرر، وغيره الكثير من الأمور والقرارات المجحفة للطلاب سواء في الكلية أو عند التسجيل، فالطالب منّا لم يعد يعرف كيف يقبل أستاذ المقرر إجابته عند الامتحان، وبعضنا قد يعتبر إجابة السؤال خاطئة إذا لم تكن حرفية وكما يريدها عقل دكتور المقرر، وهذا مؤسف!

فكرة البرنامج بالأساس إيجابية بالكامل، لكن التطبيق على الواقع هو السلبي، وكُنّا نأمل أن تستمر بعض المراسيم مثل مرسوم الدورة الاستثنائية الذي ساعد العديد من الطلاب على ترفيع موادهم وخصوصاً في خضم الأوضاع الراهنة ذلك أن العديد من الطلاب ما زال مُهجّراً.

إن المرسوم الأخير الذي يقضي بأن يمرَّ على تخرّج الطالب من الثانوية العامة مدّة عامين على الأقل كان إيجابياً، لأنه يدفع الطالب إلى عدم استنفاد فرصه في التعليم النظامي. وما قد يفيد حالياً للنهوض بواقع هذا البرنامج هو جمع الطلاب والأساتذة في ندوة حوار ونقاش لوضع النقاط على الحروف عبر بثّه عن طريق وسائل الإعلام المسموع والمرئي لتكون مُمهدة لتذليل العقبات والمشكلات التي يعاني منها الطلاب، ولتعزيز التواصل بين جميع الأطراف التي لها صلة بهذا البرنامج.

العدد 1104 - 24/4/2024