المـال والعقل وتضارب القيم في زمن المادة

وعد حسون نصر:

لا يمكن أن نجعل المال مُتقدّماً على العقل ونأخذ بحكمته، فهو ليس سوى وسيلة للعيش ولا يمكن للوسيلة أن تغدو غاية إلاّ عند ضعاف النفوس.

ربما تشوّهت مفاهيم كثيرة في زمن الحرب، حتى بات المال سيّد الأحكام، وهو القاضي الفاصل بين الجميع، إذ لا كلمة تعلو فوق كلمته، ولعلّ العوز المادي والفقر في هذا الزمن غيّر من قيم كثيرة عند البعض وخاصة جيل الشباب، بسبب حاجتهم للمال من أجل قضاء مستلزماتهم، وغدت مقولة (الغني غني النفس) مقولة بالية من زمن الأجداد. فبعد كل ما لحق بنا من ويلات الحرب والتهجير والتشرد، وفقدان البعض لعملهم ومصدر رزقهم وعيشهم، لابدّ أن تتّجه أنظار الشباب أو بعضهم نحو كسب المال بوسائل أو طرق عديدة قد يكون بعضها لا أخلاقياً، مع اقتناعهم أن القيم والكسب الشريف هي شخصية الإنسان السويّة إلاّ أن الواقع فرض عليهم غير ذلك.

ولذا، ومهما حاول الأهل فرض رؤاهم وقناعاتهم على الأبناء، إلاّ أن البعض منهم يتجاهلها مُستسلماً للظروف ومستغلاً أول فرصة تأتيه من كسب غير مشـروع بطرق سهلة حتى باتت الغاية تبرر الوسيلة لديهم، في حين أن هذا ليس مبرراً لنجعل من نقودنا نفوذاً شخصياً في المحـافل، فبعلمنا وأخلاقنا نكوّن شخصيتنا، لأن العلم ينجب المال، أما المال فلا يمكن أن ينجب الأخلاق.

علموا أبناءكم وعزّزوا القيم فيهم، واجعلوا أخلاقهم تاجاً على رؤوسهم ليكونوا ملوكاً أخرجتهم بيوتكم سفراء لكم بين الناس، في وقت لا يمكن للمال أن يكون سفيراً في غياب الأخلاق، ولتبقَ مقولة (الغني غني النفس) قاعدة أساسية في بناء أجيال متتالية، لأن المجتمع قوامه الأخلاق وعماده شبابه الطموح لبلوغ العلا بالعلم لا بالمال، وإن كان وجودهم في مجتمع واحد هو أساس قوته دون رجحان كفة المال على العلم والأخلاق.

العدد 1105 - 01/5/2024