النقابات والاتحادات.. حالة فرانكشتاينية!!

سامر منصور:

تُشكّل الأحزاب والنقابات والاتحادات في الدول التي لا تتمتع بالديمقراطية جزءاً من مسرحية أو ملهاة، لا أكثر ولا أقلّ، المَلَكِيَاتْ تحاول أن تظهر كدول وجمهوريات.. ونلاحظ في عدد من الدول العربية أن الأحزاب السياسية القائمة في كنف حكم الحزب الحاكم المتغوّل، وعلى أراضي بلادها لا تضم سوى من ارتضوا واستكانوا لأكثر أشكال الوجود الحزبي تسطيحاً وابتذالاً، حيث لا يُمكّنهم الحزب العربي الحاكم من أيّ موارد وطنية أو حالة تشاركية في القنوات الإعلامية والتربوية والتوجيهية الوطنية.. الخ. ويفرض الحزب العربي الحاكم عادة منظومات ومسلكيات لاتخاذ القرار في كل أشكال العمل المؤسساتي بحيث يمارس دكتاتوريته بطريقة ديمقراطية (ظاهرياً)، فنسمع بانتخابات لرؤساء نقابات واتحادات وما شابه، ولكن في النهاية نرى من وصل إلى قيادة تلك المؤسسات ليس سوى إنسان من ذلك النمط الذي كان حلم حياته أن يكون مُخبراً أو شرطياً، وهو يمارس دوراً مناقضاً لوظيفته.. وهذا يبرر أن تكون قيادات النقابات والاتحادات في الدول المتقدمة يرفعون عقيرتهم بالنقد وإطلاق الصرخات المُحِقَّة، خلافاً للعرب رغم فارق الحال الشاسع بين حال فئات المجتمع الفاعلة والمنتفعة من تلك النقابات هنا وهناك!!

ونرى الفكر التخويني والذي يتشابه مع الفكر التكفيري من حيث كونه فكراً وصائياً إقصائياً، ذلك أن هناك من يحسب نفسه يمثل الإله على الأرض، فيُكَفّر من يشاء ويمنح صكوك الغفران لمن يشاء، وكذلك التخوينيون الذين يتصرفون وكأنهم ممثلو الوطن ومؤسسوه وسدنته.. ومن أكثر من يمارس التخوين هم قيادات النقابات والاتحادات العربية، ولا يهم إن كان أحدهم يقود مؤسسة ثقافية كاتحاد الكتاب مثلاً، فهو في النهاية يدرك أنه موجود بإرادة سلطة تمارس الفكر الوصائي الإقصائي ويتملّقها تماهياً مع نمط المسؤولين الرسميين السائد، فنرى دوامات من المزاودات تلغي طبيعة المؤسسات النقابية والاتحادات من حيث هي مؤسسات رديفة وجهاز مناعي وظيفته خدمة الفئات الاجتماعية الفاعلة، وخدمة عملية التطهر من خارج عباءة السلطة وخارج تراتبية التبعيات الإدارية.

إن أبرز الاتحادات والنقابات المعنية بالفئات التي تضطلع بدور نهضوي تنويري هي محل شكوى وانتقاد من قبل هذه الفئات التي يفترض أنها تخدمها، والمتابع لفعّالياتها وأنشطتها يلحظ مباشرة أنها جزء من حالة كورالية سائدة في البلاد وتمارس التنميط ولا تتمتّع بشيء من عفوية وتحرر المؤسسات الشعبية!! وتُذعن نسبة كبيرة من النخب العربية مع الأسف لقهر لقمة العيش في البلدان العربية الثرية المنهوبة والمُفقَرة، فتنخرط في هذه المؤسسات، فتكسب الجثة بعض الحياة مقابل امتيازات مالية ورواتب تقاعدية مزرية، وبذا نصبح أمام مؤسسات نقابية واتحادية فرانكشتاينية لا نستطيع وصفها بالموات، ولا بالحياة، ولا بالشرعية أو اللاشرعية.

إن مؤسسات المجتمع المدني العربية في ظلّ حكم الأجهزة الأمنية للشعوب لصالح عائلات وفئات ما هي إلاّ قوى رأسمالية عتيدة وفاسدة. إن النزر اليسير من المؤسسات المدنية في هذا الظلّ ليست سوى واجهات لتبييض الأموال، أو مؤسسات حبيسة خلف بيروقراطية وتسلّط الأنظمة العربية القمعية التي تتبع العسكرة وتمزّق الرأي العام لصالح حالة القطيع الاتباعية. هذه الأنظمة علقات تزعم أنها فراشات وتُضيّق بالتالي على كل عمل مؤسساتي مدني حر قد يُعبّر عن حقيقة وضع المجتمع المأساوي. فكلنا يعلم أن مؤسسات المجتمع المدني حول العالم قبل أي عمل تقوم باستبيانات وإحصائيات ودراسات اجتماعية موضوعية ستؤدي إلى تعرية أكاذيب الأنظمة العربية حيث القيادات حكيمة والدنيا ربيع والجو بديع كما يدّعي الإعلام الرسمي!

وختاماً لنضرب مثلاً عمّا سبق أتساءل: أين هو وكيف اختفى في ليلة وضحاها أكبر حزب عربي؟! ذلك الحزب الحاكم أيام حسني مبارك والذي لم أعد أذكر اسمه بعد أن أعلن العسكر أن مدافعهم ليست موجهة لحمايته!! أحزاب علقية سريعة الذوبان متعلقة بالتسلّط والمنافع لا بفكر تذود عنه. تلك الغيلان باختصار تسعى لجعل كل الحراك المؤسساتي يطلُّ على المجتمع من بين أصابع يدها فأنّى ننهض وأنّى نتطور؟!!

العدد 1104 - 24/4/2024