المنظمات المدنية.. ضرورة أم كماليات؟

حسن البني:

إن المعنى الشائع عن مفهوم المجتمع المدني هو (المجتمع السياسي) الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة، لكن المعنى الأكثر شيوعاً هو تمييز المجتمع المدني عن الدولة، إذ يُشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى جمعيات ينشئها أشخاص يعملون لنصرة قضية مشتركة. ويضم هذا المجتمع عدداً واسع النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية، ويسود فيها مبدأ الأخذ والعطاء والسلوك التعاوني.

وفي الآونة الأخيرة، انتشرت هذه المنظمات بكثرة في سورية، وخصوصا بعد أن نفضت البلاد عن نفسها غبار الحرب التي لم تنته في كل المناطق حتى الآن، فالدولة لن تستطيع وحدها إعادة إعمار ما دمرته هذه الحرب، ممّا يستدعي تدخل المنظمات الإنسانية والمدنية وخاصة الوطنية منها، فنجد البعض قد يُشكّك ويخوّن هذه المنظمات، ويصل إلى حدّ وصفها بالعمالة للخارج.

قد لا نستطيع أن ننفي الدور التخريبي لبعض هذه المنظمات غير الوطنية خلال الأزمة، مثل ما سميّ بـ (الخوذ البيضاء) التي تبيّنت حقيقتها وصلتها بالكيان الصهيوني، وهي تدّعي المدنية في حين توصف بالإرهابية والتخريبية، وقد استغلت الإعلام لتحقيق أجندات سياسية خارجية، لكن لا يصحّ التعميم بأن جميع المنظمات غير الحكومية هي منظمات عميلة، فهناك العديد من المنظمات الأهلية التي تقوم إلى جانب المنظمات الحكومية كالهلال الأحمر بتقديم المعونة الملائمة للمهجّرين، والمساهمة بشكل فعّال في إعمار ما دمّرته الحرب الدائرة في البلاد. وفي المقابل قد لا تحصل على التقدير والدعم المادي والمعنوي الذي يضمن استمرارية تواصلها مع المجتمع المحلي، فهي تُعتبر حلقة الوصل بين الجهات الحكومية والخاصة من جهة، والمواطن الذي يسعى للعودة إلى بيته من جهة أخرى، ونحن اليوم بأشدّ الحاجة لتفعيل مفاهيم مثل: تطوع الاختيار، والحرية الشخصية، والمسؤولية الفردية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه المرء ويريد العطاء له بما لديه من إمكانيات معرفية ومادية، بما يتيح للأفراد المجال لتشكيل مصائرهم الخاصة ومساعدة الآخرين ونبذ الأنانية، وتعزيز التعاون.

لذا، فإن وجود المجتمع المدني ومنظماته في سورية أضحى ضرورة مُلحّة لخدمة الدولة والمجتمع والفرد في خضمّ الوضع الراهن، وليس كما تدّعي بعض الأحزاب السياسية التي تُعتبر هي ذاتها جزءاً من المجتمع المدني، أن دور تلك التنظيمات لا تأثير له على الأرض، بل إنها على النقيض من ذلك، فهي تضطلع بدور حيوي في توعية المواطنين وحمايتهم من تجّار الأزمة الذين يرغبون ببقاء المناطق المحررة غير مأهولة بالسكان، لتنفيذ مصالحهم ومشروعاتهم الخاصة، فنحن نؤمن أن هناك خيراً في المجتمع الذي نعيش فيه، وأن سورية ستعود أقوى من السابق تماشياً مع المثل القائل: (إن خليت خربت).

العدد 1104 - 24/4/2024