دور المنظمات الحقوقية والمدنية في نهوض المجتمع

وعد حسون نصر:

لكي ينهض المجتمع من تحت ركامه ويحيا من جديد، لابدّ من انصهار كل مؤسساته ومنظماته في قاعدة واحدة، لتكون لبنات متينة لبنائه وبقائه شامخاً. من هنا يأتي دور المجتمع المدني الذي يُشير إلى إطار العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، لأنه يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة، ويتصف عادة بالتنوّع من حيث مجال العمل، كما يضمُّ في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات خيرية ومنظمات تنموية غير حكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات النسائية, وهذه جميعها منظمات تطوعية غير ربحية، تلعب دوراً مهمّاً بين الأسرة والمواطن من جهة، والدولة من جهة أخرى، لتحقيق مصالح المجتمع وأهدافه في السلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي، ونشر ثقافة لاعنفية ولا تمييزية بعيدة عن الترهيب والقمع بكل أنواعه.

ومن خلال ما سبق، نجد أن المجتمع المدني يلعب دوراً مهمّاً في تأهيل الأسرة وتمكين أبنائها من التعليم وتأمين الرعاية الصحية والحماية والتعريف بالحقوق والواجبات. إلاّ أنه في بلادنا وفي غالبية الدول النامية، يواجه نُشطاء المجتمع المدني حملات معارضة متعددة الأطراف، بهدف التقليل من قيمة عملهم، إذ تنطلق بين الحين والآخر حملات تطالب بإقصاء المجتمع المدني تحت حجج رخيصة وغير مبررة، تتهم مؤسساته والقائمين عليها بالفساد والإفساد وحمل أجندات خارجية، وطبعاً هذا ما حصل خلال فترة الحرب الشرسة على سورية بعد أن ظهرت منظمات تُعنى بالإنسان وتعمل على ردم فجوة الضياع الذي خلفته الحرب في نفوس الكثيرين. لا ننكر أن المجتمع المدني مثله مثل غيره من منظمات أو هيئات، فيه أخطاء ومخطئون، وفيه صالحون وفاسدون، وهناك أشخاص يريدون أن يتسلّقوا على جثث الأبرياء مُتسلّحين بصور تنقل فيها معاناة أطفال دمّرت الحرب طفولتهم لينالوا عليها مساعدات داخلية وخارجية تكون رصيداً لهم، لا ينال منه الأطفال إلاّ الفتات. وطبعاً هذا ما كان يحصل خلال الحرب السورية، فقد استغل البعض من مدّعي الإنسانية المهجرين واللاجئين في المخيمات، بإقامة ورشات عمل تُعنى بهم، ولكن للأسف تمويلها يذهب لجيوبهم. كذلك كان البعض يحصل على تمويل خارجي ثمناً لبثّ سموم لا علاقة لها بأهداف المجتمع المدني ودوره في بناء المجتمع، بل فقط من أجل مصالح شخصية، ورغم أن هؤلاء يمكن أن يكونوا أقلية لكنهم للأسف يؤثّرون في طبع بصمة سيئة عن العمل الإنساني وفقدان الثقة بأهدافه، ولأن النظرة إلى المجتمع المدني تعتريها العديد من الملابسات، فلابدّ أن تنظر السلطة إليه بريبة وتخوف شديدين، لاسيما لجهة مصادر التمويل التي قد تحصل عليها بعض منظماته، والأدوار التي تقوم بها، وبالتالي لابدّ من التنبيه أنه على الرغم من كل التُّهم التي تُلقى على عمل تلك المنظمات المدنية إلاّ أن غالبيتها كانت تعمل منذ البداية من أجل غايات إنسانية واجتماعية خالصة، ومن دون أهداف خفيّة، والاستمرار على هذا النهج، يُمثّل المدخل الصحيح لضمان أن تصبّ هذه الجهود لمصلحة المجتمع ككل، لتتكامل مع جهود مؤسسات الدولة الرسمية، بحيث نتمكّن من النهوض بالدولة والمجتمع وبنواته الأساسية التي هي الفرد والأسرة نحو حياة مدنية علمانية سليمة متكاملة مع قوانين الدولة وأنظمتها.

العدد 1104 - 24/4/2024