لأنكن الربيع… تتجدد الحياة

إيناس ونوس:

يحل آذار من كل عام، مُعلناً تجدد انطلاقة الحياة بعد أن تنفض عنها كهولة الشتاء، حاملاً معه العديد من المناسبات والاحتفالات ابتداءً من عيد المرأة العالمي، ومروراً بعيد المعلم، ليكون الختام بعيدي الأم والنيروز (بداية الربيع).

وفي هذا العام يلتقي عيدا الأم والمعلم في اليم نفسه، ليكون المعنى الأعمق والأكبر للعطاء المتواصل دونما كلل أو ملل: الأم التي من تحت أقدامها الجنّات، والمعلم الذي هو بمثابة الرسول.. فما بالنا إن كانت الأم هي نفسها المعلمة، حيث يجتمع العطاء والحب والدفء بهاتين الصفتين، هاتين المهمتين المتوازيتين في بعض مجالاتهما من حيث أعبائهما وهمومهما ومسؤولياتهما، وفي الوقت نفسه القدرة على منح الحياة للأطفال بكل معانيها؟! هذه المصادفة تجعلنا نتقدم بالمزيد من الانحناء والإجلال لمن تهب الحياة وتعطي دونما انتظارٍ لمقابل، متقبّلةً كل الأعباء الناجمة، سواء عن الصعوبات التربوية في ظلّ تغيّر الكثير من المفاهيم، الذي ساهم فيه انتشار التكنولوجيا الرقمية وما تخلفه من إشكاليات بالتواصل مع الأجيال الشابّة، أو تلك الناجمة عن أزمات المعيشة اليومية، ذلك أن الأم/ المعلمة هي المسؤول الأول عن تأمين مستلزمات بيتها وأسرتها، أو من ناحية العمل والشؤون الإدارية المتعلقة به. وبالرغم من كل هذا لا تزال مُصرّةً على أن تكون القدوة الإيجابية لأطفالها، سواء بالمعنى البيولوجي أو التربوي، فتتعامل مع كل معنى وكأنه المعنى الآخر، ليُكمّل عملها بعضه البعض الآخر. مع تكرار محاولاتها دوماً لتصل في النتيجة إلى أن يصيروا شبّاناً وشابّاتٍ أقلّ عرضةً للتقهقر في زمن التراجع والتدني والانحدار.

ولا ننكر وجود بل وبروز العديد من الاستثناءات لهذه الصورة الحيّة الواقعية للمرأة السورية التي تجسد بشخصيةٍ واحدة أكثر من صفة، إلاّ أن هذه الاستثناءات لا يمكن لها أن تصبح ذات يومٍ هي المعيار، لأن صمود الأم/المعلمة/ المرأة في كل مجالات الحياة وأمام مختلف الصعوبات أمرٌ لا مثيل له على مرّ التاريخ، بالرغم من التدهور وتدني القيم التربوية العامة الذي يساهم به كثير من المحيطين سواء في العملية التربوية من خلال القائمين على مواقع صنع القرار، أو من الناحية الاجتماعية وانتشار الأفكار التي تُعزز مفهوم الأنا وتُلغي مفهوم العائلة، وبالتالي تُقلّل من هيبة الأم ومكانتها.

في هذا اليوم نشدُّ على يد كل إنسانٍ لا يزال يحمل بداخله بعضاً من محبةٍ وعطاء، فما بالنا بالأم /المعلمة التي لا همّ لها سوى أن يكون نتاجها أفضل منها بكثير!

أمام عظمتك وجبروتك، أيتها النبيلة الصامدة والمُصرّة على الحياة، نحني الهامات التي لولاكِ لما كانت عاليةً، نرفع الرؤوس بكِ افتخاراً واعتزازاً بأننا منكِ!

وإن كان لا يكفيك يوم واحد في العام ليُذكّرنا بضرورتك في الحياة، فإن تخصيص هذا اليوم يحمل من الأهمية ما يكفي لنقول لك: مع كل شروق شمسٍ أنتِ لنا رائحته وعبقه. ومع كل نفَسٍ من أنفاسنا نُعلن لك أن لا حياة من دون وجودك، يا كل الحياة!

لأمي… معلمتي الأولى والأخيرة في هذا العالم الموحش..

لكل معلمةٍ مررت بين راحتيها وأعطتني بعضاً من روحها..

أقول: كل ربيعٍ وأنتن التجدد الحقيقي! كل عامٍ والخير لكن جميعاً!

العدد 1104 - 24/4/2024