لا عدالة في عالم متصارع

إيمان أحمد ونوس:

منذ أو وعى الإنسان ذاته على الأرض، كان وما يزال دائم السعي للوصول إلى الحق والعدل في حياته العامة والخاصّة، ذلك أنه يشعر بالظلم أو انعدام المساواة بينه وبين الآخرين في الحقوق، بينما الواجبات مفروضة عليه بحكم القوانين التي لا تخضع هي الأخرى للعدالة والإنصاف في غالبية المجتمعات البشرية، وخاصة المجتمعات التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية أو تابعة لدول ومؤسسات كبرى.

ولأن العدالة الاجتماعية مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها، والذي يتحقق في ظلّه الازدهار، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007 أن يكون20 شباط من كل عام يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية، نظراً للحاجة المتزايدة إلى تدعيم جهود المجتمع الدولي في مجال القضاء على الفقر وتعزيز العمالة الكاملة والعمل اللائق والمساواة بين الجنسين وتحقيق الرفاه الاجتماعي والعدالة الاجتماعية للجميع.

انطلاقاً ممّا أوردته الأمم المتحدة في مقدمة قرارها المذكور، نجد أن العدالة الاجتماعية تتحقق في عالم خالٍ من الفقر والجوع والمرض، عالم لا تحكمه الحروب والنزاعات المرتكزة على مصالح ضيّقة سواء للدول أو للأشخاص، عالم تسوده المساواة بين جميع شعوبه بغض النظر عن الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الإثني، أو الدين أو الثقافة أو العجز… الخ. ولكن، وإذا ما ألقينا نظرة خاطفة على واقع شعوب الأرض كافة نجد أن كل هذا غير مُحقق بسبب طمع الدول الغنية (الرأسمالية) بخيرات الدول الفقيرة (ثرواتها كافة) لتكون منتجة للمواد الأولية التي تحتاجها صناعاتها المتطورة والتي لا تسمح بوجودها في تلك الدول الضعيفة بينما تفرض عليها أن تكون سوقاً لتصريف منتجاتها، ولهذا نجد الحروب دائمة الاشتعال هنا وهناك.

كما أن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق في ظلّ أنظمة يسودها التسلّط والتمييز بين فئات المجتمع وشرائحه، وبالتالي انعدام فرص المساواة في العمل والتعليم المناسبين المؤهلين للوصول إلى مكانة وظيفية واجتماعية لائقة، إضافة إلى انعدام إمكانية الحياة بأقلّ قدر من الحاجة والفقر. ولا تتحقق تلك العدالة في مجتمع تحكمه قوانين بالية لا تتناسب وتطور الفرد والمجتمع، وبالتالي فالقوانين التمييزية بين الجنسين تُعيق وتُعرقل وصول الحلقة الأضعف إلى ما تستحقه في المجتمع، وكذلك بوجود قانون أعرج خالٍ من الإنصاف لأنه لا يُطبّق إلاّ على الحلقات الأضعف في المجتمع من مختلف الشرائح.

إن عالم اليوم برمته يعيش صراعات متعددة ومتنوعة الاتجاهات والأهداف، وبالتالي هو عالم لا يمكنه تحقيق العدالة الاجتماعية أو الرفاه الاجتماعي المنشود مادام هناك قوي وضعيف، ومادام هناك دول فقيرة تحكمها دول غنية تشن الحروب بلا هوادة. فالعدالة المرجوّة لا يمكن لها أن تتحقق إلاّ في عالم تسوده الإنسانية الحقّة بقوانينها وقيمها البعيدة عن أيّة أهدافٍ سواها.

العدد 1105 - 01/5/2024