العدالة الاجتماعية أصعب الأحلام تحقيقاً!

سامر منصور:

اليوم العالمي لمكافحة الفقر، مكافحة العنصرية، عشرين شباط اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية… الخ. شعارات تُرفع من قبل منظمات دولية، وتُخَصّص لها أيام وفعّاليات ومؤتمرات! ولكن أنا كمواطن، هل أؤمن بأنه سيأتي يوم تحقق فيه هذه المؤسسات ما تصبو إليه؟ الإجابة ببساطة: لا.. لأن الجنس البشري مُعاق، فمن لم يتطور من شعوبه منشغل ويُشغَل بالمسائل السطحية، ومن تطور من شعوبه مشغول بنهب واستغلال من لم يتطور.

وبما أني أؤمن أنه ليس هناك خير وشر، بل جميعنا في الدائرة الرمادية التي تقترب بدرجات لونها من الأبيض تارة ومن الأسود تارة أخرى، فهناك أسوياء وغير أسوياء، وليس أشراراً وطيبين، وغير السوي هو بنظري من يُعطّل ملكة من ملكات عمل العقل. فالعقل البشري في آليات التفكير يقوم بالتفاضل والتكامل والاسترجاع والقياس. أما اليوم فقد نجحت الإمبريالية العالمية إلى حدٍّ كبير بجعل العقل البشري يُقدّم صيغة التفضيل على صيغة التكامل، وهذا من قبيل العبث بسيكولوجيا الشعوب. ففي عصر يُفترض أن يتسم فيه الإنسان ببعد النظر وبالسعي إلى المشهد الكبير السوي والمفيد، نراه رغم كل وسائل الحسابات والبناء التي يتيحها العلم ما يزال يُقدّم الجزئي على الكلي، ويتبع التفضيل فيغدو كائناً متلافاً. ويفضل الإنسان على الإنسان بأشيائه، بل يكاد يفضل الشيء على الإنسان. فإن كان التقدم يسلك مسارات فهناك عطالة أوجدتها الرأسمالية العالمية في العقل البشري كي يكون هناك تسارع في التقدم على المسارات التي تخدم مصالحها بغض النظر عن بقية المسارات. هناك انهماك في الصراع الطبقي، وحمّى اقتناء الشيء وتجديده تطغى على فكرة اكتساب المعارف والمهارات وتجديدها. أي أن الذات الإنسانية توقفت عن بناء نفسها وهي تلهث لحيازة ما تمَّ بناؤه خارجها من أشياء معظمها إكسسوارات للحياة، ليست ذات قيمة عليا ما لم نوظفها لتغذية عقولنا بالمعارف.

إننا أمام أزمة وهي التضليل عن القيمة المُضافة، فاليوم نجعل من رأسمالية الشيء في ذهنيتنا قيمة مُضافة، ما يلعب دوراً كبيراً في مسألة التفضيل. ولأُبَسِّط المسألة سأطرح مثالاً: في الرياضيات، الأشياء المختلفة بطبيعتها لا تُجمع، فنحن نستطيع أن نقول تفاحة زائد تفاحة يساوي اثنتان.. لكننا لا نستطيع أن نقول سمكة زائد تفاحة يساوي اثنين.. بل هما سمكة وتفاحة. أما الرأسمالية العالمية فقد نجحت في جمع الشيء إلى الإنسان رغم كل التطور الحضاري والمعرفي، ونجحت في أن تجعل الهرم الاجتماعي لا يخضع لمبدأ الصفوة قياساً للمتطور في شخصيته الإنسانية وسوائه العقلي والنفسي، بل تجعل المكانة الاجتماعية قياساً للقوة ونحن قد تجاوزنا مرحلة القوة العضلية لكنه للأسف تجاوز إلى مرحلة القوة المالية ليُصاغ مفهوم النخبة أو الصفوة قياساً عليها بغض النظر عن السواء العقلي والنفسي والتراكم المعرفي لدى صاحبها. وأضرب مثلاً من مجتمعنا المقولة الشعبية (بجيبك قرش بتسوى قرش) أي لا يهم إن كنت نلسن مانديلا أو فيفي عبدو، فقيمتك تأتي ممّا في جيبك!!

إن الإمبريالية العلمية والثقافة الاستهلاكية التي وصلت حدوداً مرعبة هي إجهاض للاصطفاء الطبيعي، ونكوص في الشخصية الإنسانية وتشويش للهوية الإنسانية.. وبالتالي إن لم تستوعب المؤسسات والحركات الدولية الداعية إلى تكريس قيم العدالة الاجتماعية وغيرها من المثل والقيم الإنسانية أن لا جدوى لجهودها ما لم يتمُّ إجهاض الإمبريالية العالمية وتجريم ممارساتها الأكثر فجاجة من قبل برلمانات وهيئات المجتمع المدني حول العالم، وكسر طوق العلاقة بين السياسي والرأسمالي عبر مساعي مضادة حازمة إزاء ما يتسبب بتسميم عقول الأجيال الصاعدة عبر الإعلام وغيره من أدوات الأدلجة والعبث بالوعي الجمعي. ما لم يتحقق كل هذا فلن نحظى بعدالة اجتماعية مستدامة، ولن تتكامل طاقات المجتمع الدولي وتتسارع وتيرة نهوضه، وستبقى البشرية منقسمة بين سيد ومن يزيد بسيادة هذا السيد.

العدد 1104 - 24/4/2024