دعم الصناعة بين الحكومي والذاتي

فؤاد اللحام:

أصبح دعم الصناعة الوطنية شعاراً ومطلباً وطنياً بامتياز، بعد كل ما حاق بهذه الصناعة من تدمير ونهب وتخريب وخسائر هائلة في الآلات والمعدات والخبرات الفنية والرساميل الوطنية، ومنعكسات كل هذه الأمور السلبية على الاقتصاد الوطني، وعلى مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

اليوم مع عودة أعداد متزايدة من المنشآت المتوقفة إلى العمل والإنتاج والتصدير، وترخيص وتنفيذ عدد من المشاريع الجديدة، ومع انتشار التهريب والتزوير والتلاعب في قيم البضائع المستوردة، وفي الوقت ذاته، بروز ضرورة الاستعداد لمرحلة إعادة البناء، تغدو مسألة دعم الصناعة الوطنية على سلم أولويات المهام الملحة المطلوبة في المرحلة الراهنة.

مكونات الدعم الحكومي للصناعة الوطنية باتت معروفة للجميع، من خلال توفير البيئة التمكينية للمنشآت الصناعية على العمل والإنتاج بالظروف المناسبة التي تشمل  الحماية، والتمويل، وتبسيط الإجراءات، والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية في هذه المجالات تجنباً للازدواجية والتعارض ، وتوفير البنى التحتية والخدمات العامة اللازمة والمطلوبة للمساعدة في هذا المجال، وهو أمر ما يزال بحاجة إلى مزيد من الجهود من قبل الجهات الحكومية المعنية، حتى نتجاوز مرحلة الاجتماعات الكثيرة والوعود المتكررة واللجان المتنوعة التي ما نزال نشهدها بين الفينة والأخرى، الأمر الذي لا يمكن تجاوزه إلا من خلال وضع صفوفة تنفيذية لكل هذه الأمور الضرورية تتضمن برنامجاً  زمنياً  محدداً  لتنفيذ المطلوب وتحديد الجهات المكلفة بذلك.

لكن ، وتوخياً للموضوعية والصراحة ، لا يمكن اعتبار قيام الجهات الحكومية بالإجراءات المطلوبة لتلبية حاجة الصناعة الوطنية ومطالب الصناعيين أن المهمة قد تحققت أو نجحت. فهناك جهد يقع على عاتق الصناعيين أنفسهم يجب أن يتحقق على التوازي وبشكل مكمل ومتكامل مع الجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال، ويتمثل بدعم الصناعيين الذاتي لصناعتهم، بالعمل الجاد والمستمر من أجل خلق ميزة تنافسية للمنتج الوطني من حيث الجودة والسعر وتسهيلات الشراء وخدمة ما بعد البيع واتباع أساليب الادارة الحديثة بمختلف مكوناتها في عمل منشآتهم. وهناك مسألة أخرى هامة لا يعيرها  الصناعي السوري الاهتمام الكافي، وهي  تشجيع المستهلك السوري على تقديم  رأيه وملاحظاته ومقترحاته لتحسين وتطوير المنتج الوطني الذي يستخدمه من كل النواحي بحيث يكون هذا المنتج أكثر تلبية لحاجاته ورغباته، وبما يعزز الثقة بالمنتج الوطني، ويوجب تفضيله على المنتج المستورد، وإدراك المستهلك الوطني، عن قناعة تامة ، بأن شراء المنتج الوطني سيساهم في تحسين مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وتحريك القطاعات الإنتاجية والخدمية المرتبطة أمامياً وخلفياً بالصناعة، وفي مقدمتها التشغيل وسد حاجة السوق المحلية والعديد من النتائج الإيجابية الأخرى، وليس خدمة مصلحة هذا الصناعي أو ذاك الشخصية فقط، خاصة إذا ما تحقّق التوازن المطلوب بين حقوق الصناعي وواجباته ومسؤوليته الوطنية الاجتماعية، وهذه أمور كانت وماتزال نخبة متميزة من الصناعيين السوريين تقوم بها، ونأمل أن تنتقل عدواها إلى شرائح أوسع منهم.

العدد 1105 - 01/5/2024