احتجاجات السودان وأبعادها المطلبية والسياسية؟

د.صياح عزام:

في التاسع عشر من كانون الأول 2018 اندلعت في السودان موجة من الاحتجاجات، بعد صدور قرارات من الحكومة السودانية تقضي برفع أسعار الخبز والمحروقات والسلع بنسب عالية تجاوزت 100%، الأمر الذي دفع الشعب إلى النزول إلى الشارع، مع العلم بأن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن 46% من السودانيين يعيشون حالة من الفقر (إحصائيات عام 2016(.

جدير بالذكر، أن الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها السودان منذ سنوات، تفاقمت في الأشهر الأخيرة إلى حدٍّ كبيرٍ، وقد سبق أن شهد السودان في السنوات الماضية مثل هذه التحركات الاحتجاجية، كان آخرها في شهر كانون الثاني الماضي 2018 واستطاعت الأجهزة الأمنية قمعها آنذاك، إلا أن الحراك الجديد يبدو أنه خارج عن السيطرة، وأنه يتوسع أكثر، لاسيما أن رقعة هذا الحراك تجاوزت بعدها المطلبي المرتبط بتدنّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع الأسعار، وبدأت تأخذ طابعاً سياسياً، من خلال مطالبة التظاهرات الاحتجاجية بتنحّي الرئيس عمر البشير عن السلطة، في ظل عجزه عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتفريط بوحدة السودان، وفي ظل التمهيد لإجراء تعديلات دستورية تسمح له بالترشح لولاية رئاسية جديدة عام 2020.

بطبيعة الحال، أدت هذه الاحتجاجات إلى صدام مع السلطة وسقوط قتلى وجرحى، وتنفيذ حملة من الاعتقالات في صفوف قيادات حزبية مختلفة، وتعليق الدراسة في بعض الجامعات والمدارس في عدة ولايات سودانية، ويقول محللون سياسيون إن التظاهرات الحالية قد تكون هي الأضخم على الإطلاق خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، أي منذ مجيء الرئيس البشير إلى السلطة عام 1989، ثم إن هذه التظاهرات كانت (عفوية) إلى حد كبير، بمعنى أنها جاءت كرد فعل عفوي من جماهير الشارع السوداني الذي ضاقت به سبل الاحتمال للأوضاع الاقتصادية السيئة والمرشحة للتزايد أكثر فأكثر. جدير بالذكر أن السودان شهد انتفاضتين أدتا إلى الإطاحة بنظامين عسكريين عام 1964 (نظام إبراهيم عبود)، وعام 1985 (نظام جعفر النميري).

ويضيف المحللون السياسيون المتابعون لأوضاع السودان، أن تواصل الاحتجاجات وتتابعها يشير إلى وجود أزمة هيكلية عميقة في البلاد أصبحت مستعصية على الحل، ما يعني أن هذه الأزمة عميقة الجذور، جعلت الحياة لا تطاق، وبالتالي كان من الطبيعي أن تنفجر التظاهرات الشعبية في معظم مدن السودان، وخاصة الكبرى منها مثل العاصمة الخرطوم وأم درمان وغيرهما.

وعلى ما يبدو، فإن الحزب الحاكم في السودان (حزب المؤتمر الوطني) عجز عن مواجهة هذا الحراك بطريقة الحشود وإصدار الوعود، في محاولة لإطفاء نار الغضب، بل تعرضت مقراته لحرق البعض منها في عدة ولايات، فلجأت السلطات إلى استخدام القوة في التعاطي مع هذه التظاهرات، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا، كما أعلنت حالة الطوارئ في بعض الولايات، مع توجيه التهم واللوم إلى (مندسّين) أخرجوا التظاهرات عن مسارها، وحولوها إلى نشاط (تخريبي) استهدف مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة بالحرق والتدمير.

على أي حال، يبدو من الواضح، أن هذه الاحتجاجات مرشحة للتصاعد، إذا إن جهات سودانية معارضة في الداخل والخارج تدعو إلى المزيد من التظاهرات والاحتجاجات ضد الوضع الاقتصادي المأزوم وسياسات الحكومة بشكل عام، مؤكدة أن الوعود التي أطلقتها لم تعد تنطلي على أحد.

أخيراً، تبقى الاحتمالات مفتوحة على عدة سيناريوهات، كما تتوقع بعض مراكز الأبحاث (مثلاً معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) ومنها:

– احتمال تحرّك أحد الجنرالات في الجيش السوداني للقيام بانقلاب عسكري.

– أن يقوم الرئيس عمر البشير بتسليم السلطة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ليتولى أحد قادته الحكم لفترة انتقالية.

العدد 1104 - 24/4/2024