لعل في توقف الأرض عن الدوران خلاصنا المنشود!

ديمة حسن:

لطالما اعتاد السوريون تمنّي شتاء قوي يحمل لهم أمطاراً وثلوجاً تطفئ ظمأ صيف حار قادم، ومع كل حديث اعتدنا سماع جملة (الله يبعت الخير!) دعاء لاستجداء خير السماء، كما اعتادوا على إقامة صلوات الاستسقاء عند تأخر الامطار، ولطالما كان الشتاء أيضاً فصل العاشقين والمحبين، الذين يعيشون في المشي تحت أمطاره لحظات سعادة لا تقارن ببقية السنة.

ولكن هذه الحالات باتت ماضياً بالنسبة لمعظم السوريين الذين أصبح الشتاء بالنسبة لهم فصل شؤم وبؤس، فصل خوف ورعب، فصل حفر وطين وطوفانات في الشوارع والأنفاق.

أصبح فصلاً لا يحمل سوى البرد والظلمات.. لا يحمل إلا الذلّ للفئات الفقيرة التي تقف ساعات وساعات في الطوابير طلباً للغاز أو المازوت، هذه المواد التي يتكرر فقدانها في هذه الفترة من كل عام، دون انتباه الحكومة النائمة، فتقدم أعذاراً أقبح من ذنوبها، فتحس بأن فصل الشتاء هو فصل مفاجئ لا تعلم بقدومه مسبقاً ولا تعلم طبيعته القاسية، فقد كانت تخاله ربيعاً وسينقضي على خير دون مطالب الجموع البشرية لمتطلبات مواجهته، ولكن الشتاء كان شتاء حقيقياً- يا للأسف- وهذا ما لم يكن بحسبانهم.

هذه الحكومة المنفصلة عن واقع الشعب السوري، الساكتة عن أوجاعه ومطالبه، إذ يكتفي وزراؤها بالعيش الرغيد في منازلهم الدافئة تاركين البؤس والذل والبرد لأطفال شعبهم وشبابه، نسائه وشيابه.

هذه الحكومة المريخية التي تقف مكتوفة الايدي أمام أبسط مطالب الفئات السورية المهمشة، لكنها تفاخر باستثمارات سياحية ومشاريع ضخمة بملايين الليرات تعمل عليها! كيف لا وهذه المشاريع تخص مصالح الطبقة التي بات واضحاً أن الحكومة تكرس كل جهدها ووقتها لخدمتها وخدمة مصالح ملاكها، ولو كان ذلك على حساب غالبية الشعب السوري الذي يزداد فقراً يوماً بعد يوم.

ولربما منذ عدة سنوات لم تشهد البلاد نقمة اجتماعية واقتصادية بالحجم الذي نشهده اليوم، والغريب العجيب أن الحكومة قد وضعت قدميها بماء بارد ولم تتحرك ساكنة رغم آلاف الاحتجاجات وآلاف الحالات من الجوع والبرد والتشرد.

طبعاً، هذه الحكومة هي ذاتها من يتغنى بانتصارات حققت على أجساد الفقراء وعلى جثامين شهدائهم.. هؤلاء الشهداء الذين تعاني عوائلهم مع بقية أبناء الوطن لتحصيل لقيمات قليلة وبضع دقائق من الدفء في هذا الشتاء القارس.

فهل تعلم هذه الحكومة يا ترى أن الانتصار الذي تتغنى به هو انتصار وهمي منقوص، إذا لم يقترن بتحصين الجبهة الداخلية على جميع الأصعدة؟! هل يعلمون أن الانتصار الحقيقي لن يكون إلا بصون كرامة شعبهم، وتأمين حياة لائقة لمن عانى وهجّر وبذل دمائه؟!

بالتأكيد فهم إما يعلمون ولكنهم غير مكترثين، ونحن هنا أمام خيانة واضحة للشعب والوطن. ولربما إن أحسنّا الظن بهم رغم أنهم لا يستحقون، فنقول بأنهم لا يعلمون، وعندئذٍ تكون الطامة الكبرى بتسليم زمام الأمور لأشخاص لا يمتلكون الحد الأدنى من الخبرة وسعة النظر.

قد يكون علينا نحن السوريين اليوم أن نتمنى أن تتوقف الأرض عن دورانها حول الشمس، وأن نكون في الموقع الذي يحقق لنا فصل ربيع دائم لا نحتاج فيه إلى وسائل تدفئة، فصل غني بالثمار والأزهار، فربما تكون استجابة الطبيعة أسهل من استجابة الحكومة الحالية التي خسرت ثقة الشعب، وستكون أمام حساب عسير.. فحذار من الجوع والغضب!!

العدد 1104 - 24/4/2024