إعادة الإعمار.. لمن؟!

مازالت مسألة السكن تؤرق بال المواطن السوري، الذي بدأ يخطو نحو مستقبل مجهول لبلد دمرته الحرب، يحمل في رأسه أحلام الحصول على مسكن لائق على طول البلاد وعرضها، يأوي إليه مع أسرته، ليتقي برد الشتاء وحر الصيف، ويتحرر من عبودية الإيجارات، ويتخلص من منغصات السكن العشوائي، إلا أن الأحلام ما تلبت أن تصبح أضغاث أحلام في ظل واقع مرير، ووعود حكومية تشبه الهباء المنثور.

وما إن يشاهد المواطن، ويقرأ ويسمع به من أحاديث ومؤتمرات وندوات عن إعادة الإعمار حتى يخيل إليه أن الدمار الهائل في البنى التحتية لم يعد موجوداً، وملايين اللاجئين والنازحين بدؤوا بالعودة إلى منازلهم بعد إعمارها، وأن الاقتصاد السوري تعافى من خسائره وعاد كأقوى اقتصاديات الشرق الأوسط، كما تحاول الحكومة وطبّالوها تسويقه.

إن مخيلة المواطن لتنبهر عندما يشاهد الدعاية الترويجية لـ(مارونا سيتي) عبر صفحتها على الفيسبوك، بصور عن أبنية شاهقة فاخرة خيالية تسرّ من يراها، بأجود أنظمة التعليم والمساحات الخضراء والرفاهية العصرية، على الرغم من أن ذلك ليس إلا دعاية لمدينة لم تُبنَ هياكلها بعد، وعلى بعد بضعة كيلو مترات من المدينة الخيالية لا يزال الملايين يبحثون عن رغيف الخبر ومأوى دائم لهم، في حين أن بعضهم بدأ يرمم بيديه منزله المدمر، من دون أن يلتفتوا إلى حكومتهم التي وعدت بتعويضات عن الأضرار، بحسب ما نشرته لجنة إعادة الإعمار المكلفة من قبل مجلس الوزراء، الذي وضع لها مهام ضخمة كاتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل البنى التحتية والمرافق العامة، وتمويل إنشاء وحدات سكنية للإيواء المؤقت، مهام يكاد من المحال تحقيقها في ظل سياسة اقتصادية حكومية فاشلة، واستمرار الفساد الذي يمنع أي عملية حقيقية في ملف إعادة الإعمار، الذي يجري استخدامه في التسويق الإعلامي والدعاية السياسية، بينما في الحقيقة لا توجد خطة لإعادة الإعمار بشكل عام، وينظر إليها على أنها إجراء أسمنتي محاصر (بمارونا سيتي) و(باسيليا سيتي) لأجل تجار الحرب وأثريائها.

 إن المتضررين من الحرب لن يستفيدوا من بناء مدن جديدة بملايين الدولارات للشقة فيها، سوى بدفتر أسهم لا يتقن كيفية تداوله، وعلى الأغلب سيرثه أولاده وقد يتداولون الأسهم بالبورصة.

إن عملية إعادة الإعمار هي عملية سياسية اقتصادية وثقافية، وليست إنشائية فقط، هناك إعادة إعمار للاقتصاد، وآخر للتعليم، وإعادة إعمار للإعلام وإعادة إعمار للدين والتربية والأخلاق والمجتمع.

إن البلاد تحتاج إلى قرار سياسي، وإلى تغيير العقلية الاقتصادية الأساسية التي تدعي حماية الأكثر فقراً، ولكن هي من تجعلهم فقراء وتساهم في استمرار فقرهم.

الواقع المتردي ينفي فكرة إعادة إعمار حقيقية.

فكيف لحكومة لم تستطع أن تواجه أزمات متوقعة في كل عام، مثل أزمة الكهرباء ونقص المشتقات النفطية والغاز، والغلاء المتزايد وغيرها، أن تتحدث عن ملف إعادة الإعمار بكل هذه الثقة؟

إن كل ما قامت به الحكومة منذ بداية الحرب حتى اليوم هو عبارة عن منتديات ومعارض ومذكرات تفاهم ومهرجانات، في الوقت التي تعاني معظم الشرائح السورية من الفقر والعوز وتقلبات المناخ وغيرها وغيرها، فإذا كان دفء الأرض هو حرارة الرفاهية الموجهة لأغنيائها، فمن الأفضل عندئذٍ أن ترحل تلك الحكومات القائمة على جعل أولوياتها تنفيذ رغبات أثرياء الحرب وناهبي المال العام، لأنها بذلك تضع نفسها في مواجهة (عاجلاً أم آجلاً) مع الأغلبية الساحقة والمسحوقة من أبناء هذا الوطن الذين دفعوا ثمن الحرب ومازالوا.

العدد 1104 - 24/4/2024