الفن وصناعة الاتجاهات

حسن البني: 

الفن مفهوم شامل يضم نتاج الإنسان الإبداعي، ويُعتبر لوناً من ألوان الثقافة الإنسانية والتعبير الذاتي للفنان، كما يشير إلى الإبداع القائم في المجتمعات والثقافات البشرية.

ويُصنّف الفن تبعاً للأنشطة الإنسانية، فالإنسان استطاع على مرّ العصور والحضارات أن يجعل بعض المهن الاعتيادية التي تمارس بشكل يومي تحتل مرتبة الفن، لما وصلت إليه من ابتكار وإبداع في التشكيل والتكوين، فأصبحت تستحق بحق لقب (الفنون الإنسانية).

إن التقدّم الذي شهده العالم والبشرية جمعاء، كان بفضل آلاف الفنون والاختراعات التي ابتكرها علماء وعباقرة فنانون كانوا يرون ما لا نراه. فعظماء الفن يتمتّعون بحسٍّ ومشاعرَ مرهفة، توحي بأن الأشياء الجامدة تحولت بطريقة فكرية وروحية إلى شيء له معنى، تدبُّ فيها روح الحياة كما لو أنها إنسان ينطق ويتحرك، ومن هؤلاء من خلّد التاريخ أسماءهم بسبب روائعهم وأعمالهم الفنية مثل: ليوناردو دافينشي، بيتهوفن، موزارت، باخ، شتراوس، شكسبير، لويس داجير، الأخوين لوميير، وجورج ميلييه… وغيرهم من المبدعين الذين مازالت أعمالهم الفنية تُعرض حتى يومنا هذا في أشهر متاحف العالم.

إن الأثر الإنساني لهذه الفنون في مجتمعنا المحلي واضح بقوة أيضاً، فقد تأثّر العديد من المبدعين السوريين بالفنون والآداب العالمية، وأصبح بعضهم يمتلك نمطاً وأسلوباً متفرّداً جعل منه مدرسة فنية مميّزة تنافس مشاهير الفن في العالم. من هنا يأتي دور الفنون الإنسانية في صناعة السلوك والاتجاهات والقيم خاصة في زمن الحروب، فمن قال إن الفن لا يصنع سياسة أو موقف ما؟ فالعديد من الفنانين كعامة الناس لا يستطيع أن يقف موقف المحايد من قضية تمسُّ المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يؤثّر ويتأثّر بما حوله، فالفنان يُعبّر عن رأيه بإبداعه، ويتبنى قضية معينة فيبدي تعاطفاً معها، ومثال ذلك حضور القضية الفلسطينية في أكثر الأعمال الفنية العربية، وهذا يدل على أن الفنان لا يستطيع أن يقف موقف المتفرج من قضية ما دون التفاعل معها، فهو يدافع بفنه عمّا يؤمن به من معتقدات وسلوك. والفنان مهما كان محايداً لا يستطيع الهروب من الواقع والابتعاد عمّا يجري حوله من أحداث، فهو يشعر بآلام الناس ويتألم لألمهم، ومن هذا المنطلق نرى أن الفن مهم في صنع الاتجاهات، ونجد أنه يُستخدم حالياً في المجتمعات الكبرى والرأسمالية لغرض تجاري أو سياسي أو ديني ويخضع للحماية الفكرية.

العدد 1105 - 01/5/2024