حقوقنا الإنسانية محض كماليات!

غزل حسين المصطفى:

ربما كانت البداية عشوائية لم تتّخذ شكلاً محدداً، ولم تندرج تحت مسمّيات واضحة.

عاش الإنسان كما حملته فطرته حاجاته ودوافعه، حاول جاهداً أن يسعى للبقاء والخلود بأيّ ثمن، فتعاقب الخلفاء البشريون إلى أن حان دورنا نحن لنمسك شعلة الحياة.

لكن هذه الفترة الزمنية كانت مختلفة الوجوه، متعددة الفصول، مرّ خلالها المجتمع والإنسان بمراحل مختلفة، فاستطاعت الحياة أن تُقلّم أظافرها وتُعيد ترتيب شعرها، كانت قادرة اليوم أن تختار لنفسها ما يليق بها من رداء، أمّا الإنسان فانتقل من العشوائية للتنظيم، من القتل والسفك إلى قانون يحكم، تحدّدت المُلكيات، وفي خضّم هذه المخططات شُرّعت حقوق الإنسان، فكانت المساحة الخضراء المُتاحة، لم تكن ضيّقة أو تحجز الحرية، على العكس استطاعت هذه الحقوق ضمان العيش الرغيد والسليم لكل فرد على وجه البسيطة، ولكن إن كانت هذه الحقوق تكفل وتضمن الحياة للإنسان.. لماذا نرى شعوباً مُنتهكَة حريتها؟

ما أعلمه أنها حُددت ووضِعت لكل البشر لم تستثنِ قبيلة أو قارة.

فاعتمدت المساواة والعدل، الفكرة لا تكمن في الحقوق نفسها بل بالإنسان نفسه، نعم الإنسان..

لو نسأل عيّنة من البشر عن حقوقهم لكانت الابتسامة أول تعبير قد يظهر، تسألوننا عن حقوقنا!؟ كان السؤال بديهي لهم لا داعي للجواب، وحتى استسخفوا صيغة السؤال!! لكن دعونا نُطالع الواقع وبدائرة قطرها يمتد من المحيط للخليج، فتشمل الوطن العربي وحسب، هل سنجد مجموعة بشرية تتمتّع بكامل حقوقها؟ هل سنواجه مجموعة تُمارس حقوقها عن دراية وعلم أنها حقوق مشروعة؟

لا يمكن لأيّ فرد برأيي أن يُدين الحكومات بهذا الموضوع، إذا كُنّا نحن غير قادرين على فرد أجنحتنا في المساحة المخصصة لنا، وإذا كُنّا نحن من نغضُّ الطرف ونصمُّ الآذان بحجّة الخوف أو حتى عدم الإحساس بضرورتها، إضافة للظروف السياسية والاجتماعية التي قد تحكم بعض الأفراد. فمثلاً اليوم لو نطالع الشارع السوري بحلّة الحرب التي عليه لما وجدنا للحقوق إلاّ آثاراً بسيطة. فتلك العائلة التي اتخذت زاوية الحديقة مكاناً للعيش، أين حقّها في الأمان؟ وحقّها في المسكن؟ وطفلة تأكل فتات خبز يابس على جانب الطريق، أين حقّها في الحياة الصحية التي تليق بالأطفال؟ في العموم انعدمت فكرة الأمان في بعض الأحيان!

عندما تنقلب النقاشات إلى تصنيف الأفراد تبعاً لما يعتقدون وما عبد أجدادهم، أين الحقُّ في حريّة المعتقد والدين؟

قد تكون مفرزات حرب طويلة أنهت المعاني الإيجابية لبعض القضايا، واغتالت حقوقنا بالغصب، لكن نحن بالأساس كمجتمعات عربية نحمل أساساً هشّاً من الثقافة، نحسب أن ممارسة حقوقنا وتأدية الواجبات كماليات ليست من مكونات خبز أيامنا، والجهل هو عدو خفي ومرض تسلل لشراييننا، وسيكون المُسبب الأول للعديد من الكوارث التي ستفتك بعقولنا.. فما زلنا ننجرُّ وراء البرّاق واللامع، تأخذنا موسيقى الحرية لنرقص على أنغامها والأصفاد في أيدينا!!

العدد 1105 - 01/5/2024