حقـوق مجـردة من إنسانيتها في زمن العبودية

وعد حسون نصر:

لعلّ حقوق الإنسان كما ورد في الوثيقة، هي القيمة الذاتية لكل شخص، بغض النظر عن مكان السكن، أو الشكل، أو الأفكار والمعتقدات، إذ تستند هذه الحقوق على مبادئ الكرامة، والمساواة، والاحترام المتبادل، وهي تنتشر بين الثقافات والأديان والفلسفات المتعددة، كما تركز حقوق الإنسان على المعاملة العادلة والمنصفة لكل شخص، إضافة إلى أنّ احترام هذه الحقوق يُعدُّ أساس قوة المجتمعات التي تمكّن جميع الأفراد من المساهمة والشعور بالانتماء.

لكن إلى أيّ مدى طُبّقت بنود هذه الحقوق على الإنسان وخاصة في بلدي، مع العلم أنها وثيقة تمّت صياغتها من قبل ممثلين لهم خلفيات قانونية وثقافية من مختلف أنحاء العالم، وقد اتفق الإعلان عنها من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 كانون الأول من عام ،1948 واعتُمدت كمعيار مشترك لإنجازات جميع الشعوب والدول، لكنها غُيّبَتْ عن بلدي وضاع الإنسان بإنسانيته بين هذه البنود، فلم يكن حالنا قبل حرب الثماني سنوات أفضل من حالنا بعدها، تهجّر السوري بأحلامه وطموحاته في مختلف بقاع الكون، واتخذ من الأرض فراشاً والتحف بالسماء وجعل الحجر وسادة تُذكّره بثقل الهموم على رقبته. تاجروا بآماله، قلعوا طموحاته من جذورها، كسروا أقلام السوريين، ولم يبخلوا على أنفسهم ببيع أعضائه والاتجار بها في أسواقهم السوداء مثل أيّة سلعة تتحكّم بها بورصة من وضع بنود حقوق الإنسان، جعلوا من أطفالنا تسلية لهم، قتلوا فيهم الطفولة وخاصةً أشقائنا من الدولة العربية!! والتي ينبغي أن تشاركنا بزرع بذور الإنسانية لتزهر من جديد بأراضينا القاحلة، جعلوا من أجساد فتياتنا مروجاً تدغدغ كهولة رجالاتهم بعد أن سلبهم الدهر إياها بخطوطه العميقة! فلا حقوق لإنسان في بلاد العرب وخاصةً أنها خُطّت بيد جزاريها لتكون مجرد وثيقة تُبرم في المحافل، لتُذكّر الكائنات أن على الأرض ما يسمى إنسان لا يختلف عنهم بشيء إلاّ بهذه الحقوق المُبرمة على ورق فقط، وعمُّنا ويلسون أخذه النوم العميق ونسي أنه جعل من كتاب حقوق الإنسان وسادة له، وبقيت بنوده هذه، الحق في العمل، الحق في التعلّم، الحق في الحياة الكريمة، الحق في الوضع المعيشي الكريم مجرد أحلام صدّرها للإنسان العربي فتشغله عن نومه، بينما ويلسون نائم بعمق يرسم لنا أحلام يقظتنا بإنسانية عادلة، وغيّب عنّا حقنا في الحياة التي اغتالها مجرمو الحرب، الذين تجاهلوا بنداً اسمه الحق في التحرر من التعذيب، ونسوا أن هناك مساواة بين الجميع من أفراد الجنس البشري بلا تمييز ولا على أيّ أساس، هذا حال الإنسان في بلدي، قارئ فقط لحقوقه المسلوبة، ومُردّدها مثل هلوسته بأحلام كانت أشبه بدوافعه اللاشعورية لتظهر له فقط بالأحلام.

نم يا أخي بالإنسانية فلا حقوق لنا ببلاد العُرب، ومستقبلنا رُسِم بيد الغرب، فطُمِست إنسانيتنا بسواد النفط، وقُتِلت أحلامنا برصاص الحرب، وصدّروا أعضاءنا بصناديق مُثلّجة لتكون في بقاع الأرض.

لكن، لعلّها تكون نبراساً لنا وتكتب عنّا، لربما تزول عبوديتنا المتوارثة بعد أن تخطّها الأنامل المبتورة ظلماً.

العدد 1105 - 01/5/2024