الإعاقة النفسية أكثر دماراً من الإعاقة الجسدية

إيناس ونوس:

لا يقتصر مفهوم الإعاقة على الإعاقة الجسدية المرئية فقط، بل يتعداه ليشمل كل ما من شأنه أن يُعيق عمل العقل البشري وتطوره، فليس من الضرورة بمكان أن تُعطِّل الإعاقة الجسدية الإنسان عن التفكير وتطوير أدواته وملكاته وإمكانياته. فكم من شخص أُصيب بعطب في أحد أعضاء جسده وتمكّن من الإبداع في مجالات عديدة لا تعتمد على الجانب المعطوب، مُثبتاً ومُبرهناً أن الإعاقة بالعقل وليست بالجسد. فما أكثر الأشخاص الأسوياء من الناحية الجسدية الذين ضعفوا أمام ظروف حياتهم واستكانوا ولم يستطيعوا تغيير أحوالهم لانعدام قدرتهم على إعمال العقل ومجاراة الواقع المُعاش كي يتمكّنوا في نهاية المطاف من تجاوزه.

فالإعاقة مصطلح أطلق على كل ما من شأنه أن يمنع سير الحياة وتطورها بالشكل الطبيعي والصحيح والمعتمد على الثقة بالذات والإمكانيات ومحاولات التجريب وإثبات القدرة على مواجهة التحديات بكل أشكالها.

وتأتي أهمية تخصيص يوم عالمي لمن ابتلوا بإعاقة ما، من ضرورة دمج هؤلاء الأشخاص في مجريات الحياة الطبيعية والتأكيد على أهمية وجودهم بحدِّ ذاته من جهة، ومن جهة أخرى لتنبيه أصحاب الأفكار المتخلّفة ذوي الإعاقات غير الملموسة والذين يرون أنهم الأكثر صحة بأن عليهم إعادة النظر في طريقة تفكيرهم والإفادة من أولئك الذين يُسمّونهم معاقين بل وربما يهزؤون منهم.

إلاّ أن من اعتمد يوم الثالث من كانون الأول يوماً عالمياً للمعاقين، لم يشمل من ضمن الإعاقات تلك المرتبطة مباشرة بنمطية الوعي وممارسته وانعكاسه على جوانب الحياة سواء الخاصة أو العامة، أي أنه لم يضع من ضمن قوائم الإعاقات المُعترف بها عالمياً الإعاقات النفسية والمجتمعية والفكرية والتربوية.

ولهذا… فإني في مثل هذا اليوم أطالب بتسليط الضوء أكثر على هذه النوعية من الإعاقات وتضمينها ضمن قوائم المعاقين ليتمَّ الاهتمام بها والعمل مع أصحابها على تلافيها.

لكل معاق في هذا العالم. وتحديداً أصحاب الإعاقات غير المرئية أقول: لا تزال الحياة أمامكم لتنهلوا منها وتتخذوا بعضاً من إشراقها فتدخلونه لدواخلكم علّه يُنير أرواحكم المعتمة، فتغيّروا طريقة حياتكم ونظرتكم للعالم من حولكم، وليكن المبدعون من ذوي الإعاقة الجسدية الذين تمكّنوا من تجاوز إعاقتهم والتأكيد على حقهم في الحياة مثبتين جدارةً لا تُضاهى نماذج حيّة أمامكم ومن حولكم تستفيدون منها وتتخذونها مثالاً يُحتذى.

في هذا اليوم، كل الانحناء أمام من لم يتوقف أو ينكسر، ومن لم يسمح لظروفه أن تمنعه عن تحقيق حلمه وتأكيد وجوده، مؤكداً صحة القول الشائع: كلُّ ذي عاهةٍ جبّار!

العدد 1105 - 01/5/2024