إعاقة جسدي لا تُلغي فكري

وعد حسون نصر: 

الكثير منّا ينظر نظرة شفقة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، تحديداً المعاق جسدياً (شلل، صعوبة نطق، فقدان البصر، فقدان أحد الأطراف، الصم والبكم.. الخ)، إلاّ أننا لم نتوقف لحظة لنرى ما يستطيع فعله هذا الشخص من أعمال متجاوزاً إعاقته الجسدية، ولطالما الفكر سليم والعقل سليم إذاً لا مكانة للإعاقة، خاصةً أن الكثير من الأصحاء جسدياً يعانون من خلل في العقل والسلوك والأخلاق والتصرفات وردّات الفعل الهمجية التي تعكس ما في داخلهم من خلل نفسي، بالمقابل نرى الكثير ممّن يعاني من إعاقة في المشي لكنه متزن متعلم، يزاول مهنة، وليس عبئاً على المجتمع، فهو شخص منتج لا مستهلك، والكثيرون نراهم في مجالات الأدب والرسم والفنون وحتى في الرياضيات والرياضة مبدعون وفي المراتب الأولى، ومنهم من نراه يشارك في بطولات وهو كله ثقة أن الإعاقة لا تُلغي منه روح المبادرة والوجود، وأيضاً في مجال القضاء نرى أشخاصاً لا تلغي إعاقتهم وجودهم لنصرة الحق في قاعات العدالة، ومثله في الطب والجراحة والصيدلة وغيرها، وكذلك في مجال الدراسات والشهادات العليا نرى الكثير من الأسماء قد لمعت رغم الإعاقة الجسدية عند أصحابها، والكثير ممّن فقدوا البصر نراهم في المراتب الأولى من الجامعات ونراهم أصحاب بصيرة تفوق من لديه البصر. ونرى بالمقابل الكثير من الأصحاء جسدياً مجرد جودهم بحدِّ ذاته عبء على البشرية، وهم أنفسهم مثار للشفقة لما يعانونه من سوء في التصرفات وسوء بالفكر والأخلاق ليكون سلوكهم بحدِّ ذاته إعاقة وخلل.

نعم، إن ذوي الاحتياجات الخاصة أشخاص يحتاجون عنايةً خاصة تختلف عن باقي الأفراد الأصحّاء، نظراً لتعرّضهم للإعاقة، أو فقد القدرة على القيام بأنشطتهم الحياتية كباقي البشر، لكنهم يتمتّعون بقدرات تفوق الكثير ممّن نظنهم أصحاء جسدياً، ورغم نظرة البعض في المجتمع إلى المعاق بدونيّة كأنه قد ارتكب إثماً كبيراً، والبعض من  الأفراد الذين يظنون أنفسهم أنهم أصحاء وهم من ذوي النفوس الضعيفة المريضة يتعاملون بقلّة احترام وعدم التزام أخلاقي مع المعاق، ويركّزون أنظارهم أو يُشيرون إليه عندما يمر وسط التجمعات، والبعض يرتكبون خطأً فادحاً في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصّة عند إشعارهم بالشفقة، وذلك لأنّ صاحب الإعاقة لديه مشاعر حسّاسة للغاية، تتطلب من الأشخاص المحيطين به الوعي في التصرف والمعاملة، كما يواجه الكثير من ذوي الإعاقات العقلية مشكلةً في عدم إيوائهم في مراكزَ صحية مُناسبة، ممّا يجعلهم عُرضةً للسخرية، عند خروجهم دون علمِ ذويهم إلى الأماكن العامة، وبالتالي لابدّ أن نخلص للقول أنه ليس كل معاق عاجز عن العطاء، وليس كل شخص سليم جسدياً هو مُعافى نفسياً وفكرياً، لذا علينا أن نبحث عن مكامن القوة عند المعاق لنعمل عليها وجعلها ترى النور في عطائه وإبداعه، وأيضاً نبحث عن الخلل والتشوّه النفسي لدى المعافى جسدياً لنصلحه ونجعل منه شخصاً ذا فائدة، ملتزماً بأخلاقيات المجتمع ليكون مجتمعاً سليماً مُعافى فكرياً وإنسانياً، لأن تشوه الفكر هو الإعاقة الأساسية في أي مجتمع.

العدد 1105 - 01/5/2024