لن تنجح واشنطن بإعاقة الصعود الصيني

د. صياح عزام:

أشارت استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكي الجديدة التي نُشرت مؤخراً على مواقع وزارة الدفاع الأمريكية إلى (أن التنافس الاستراتيجي بين الدول هو الشغل الشاغل والرئيسي الآن للأمن القومي الأمريكي، وأن التحدي الرئيسي أمام ازدهار الولايات المتحدة وأمنها يتمثل في ظهور قوى تحريضية على ساحة القوة والنفوذ من جديد مثل روسيا والصين)، وهكذا فإن كذبة الحرب الأمريكية على الإرهاب ما هي إلا ستار لحجب الحرب الاستباقية التي تشنها واشنطن ضد الصعود الصيني والروسي، وعلى ملامح التوازن الدولي الجديد الذي كان جنيناً في بداية الألفية الثانية، وأصبح الآن أكثر قوة ورسوخاً، وذلك على قاعدة وضع حد للتفرد الأمريكي بالهيمنة على القرار الدولي.

على أي حال، وعلى الرغم من الصعود الصيني الاقتصادي الذي يقلق الولايات المتحدة، تبقى روسيا الاتحادية- حسب زعم الإدارة الأمريكية المتعاقبة- هي الخطر الأكبر الذي يهدد أمريكا، ولكن سنكتفي في هذه العجالة بالحديث عن الصعود الصيني، كيف تنظر إليه واشنطن؟ وماذا تعد لمواجهته؟ وما هو الرد الصيني على ذلك؟

لا شك في أن الصين دولة رئيسية على الساحة الدولية ومنافسة للولايات المتحدة، ولهذا تحشد واشنطن كل إمكاناتها السياسية والاقتصادية والعسكرية للحد من الصعود الصيني.

ففي سياق الحرب الأمريكية على الصين، يقول الرئيس ترامب: إن الصين حاولت بشكل وبآخر أن تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 لمصلحة المرشحة المنافسة له هيلاري كلينتون، وخلال شهر تشرين الأول الماضي، أعلن نائب الرئيس مايك بنس حرباً باردة جديدة ضد الصين، وادعى أن التدخل الروسي المزعوم في انتخابات الرئاسة لعام 2016 يعد ضئيلاً، إذا ما قيس بتدخل الصين.. وأضاف قائلاً: أرادت بكين أن تطرد ترامب من البيت الأبيض، حسب زعمه. ويرى العديد من المحللين والمراقبين السياسيين أن الخوف من الصين أصبح بمثابة الهاجس الذي يؤرق المسؤولين الأمريكيين، حتى أن هذا الهاجس امتد ليشمل قواعد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة ما يتعلق بالخوف من تكنولوجيات المراقبة التي تستخدمها الصين، كما أشارت إلى ذلك محطة (فوكس نيوز) ضمن برامجها الاعتيادية، إضافة إلى ذلك كله شن الرئيس ترامب حرباً تجارية على الصين، بفرض رسوم إضافية على ما تستورده الولايات المتحدة من الصين.

مقابل ذلك فإن الصين التي بقيت منشغلة بقضايا داخلية واستراتيجية مهمة لفترة من الزمن، جرت فيها وما تزال تجري فيها تحولات كبرى تفرز قوة عالمية مؤثرة في النظام الدولي الراهن وقطباً عالمياً له وزنه، خاصة أن الصين تمتلك كل مقومات الصعود الناجح، من إمكانات بشرية هائلة مدربة ومتعلمة، ومساحة واسعة، وتكنولوجيا حديثة ومتطورة، وقدرة على الاستثمار، وإنجازات على مستوى الفضاء، علاوة على ما تمتلك من ثروات وخيرات كبيرة، وإنتاج علمي وصناعي غزير، وأرصدة مالية هائلة تعتبر من أكبر الاحتياطات النقدية في العالم، كذلك تخصص الصين ميزانية كبيرة لتطوير قدراتها العسكرية، إذ تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مجال الإنفاق العسكري.

ومع أن الصين تحاول النأي بالنفس عن أي صدام مع الولايات المتحدة، إلا أنها تمضي في السعي للعب دور بناء في التأثير على الصعيد الدولي، فهي من جهة توطد علاقاتها وتعاونها مع روسيا على الصعد كافة وفي المنابر والمؤتمرات الدولية، ونتذكر جميعاً كيف استخدمت حق النقض (الفيتو) بالاشتراك مع روسيا لتعطيل قرارات ضد سورية، كذلك تسعى الصين إلى تحسين علاقاتها مع البلدان المجاورة مثل اليابان ودول الجوار الأخرى، كما عملت مؤخراً على تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، وانخرطت في مكافحة الإرهاب.

 ولعل أكثر ما يزعج الولايات المتحدة هو التنسيق الروسي – الصيني الذي وصل إلى مستويات عالية في مختلف المجالات، ولاسيما بالنسبة للمسائل والقضايا البارزة على الساحة الدولية، وذلك بهدف الوصول إلى تعددية قطبية فيما يتعلق بالقرار الدولي في نهاية المطاف.

ومما يجدر ذكره أن بعض الأصوات أصبحت ترتفع في الداخل الأمريكي مطالبة بالتعاون مع الصين بدلاً من محاربتها تجارياً وسياسياً، ومن أوجه هذا التعاون التصدي المشترك لمسألة (الاحتباس الحراري) على سبيل المثال.

وهكذا نخلص إلى القول بأنه مهما حاولت الولايات المتحدة وضع العراقيل أمام الصعود الصيني، فلن تنجح في ذلك، إذ إن الصين شقت طريقها بقوة وبثقة وباعتماد على الذات، إضافة إلى أن تحالفها مع روسيا قد عزز قوتها ودعم صعودها اللافت.

العدد 1104 - 24/4/2024