لماذا جعلنا للفقر يوماً؟!

حسن البني: 

كان أسلافنا يؤمنون باعتقاد مفاده (أن الأثرياء والأغنياء عندما يزدادون واحداً فإن الفقراء ينقصون واحداً)، ويرجع ذلك، إلى منطق النسبة والتناسب، فعندما يزداد الأثرياء واحداً فهذا معناه أنه كان في الأصل فقيراً وتحسّنت أحواله وأصبح غنياً، وأن هذا يدل على أن المجتمع الذي يعيش فيه يعمّه الخير، ومن الطبيعي جداً أن يقلّ عدد الفقراء.

أما الآن في وقتنا الحاضر، فنلاحظ أن الأغنياء يزدادون فُحشاً وثراءً في كل يوم دون أيّة مبالاة للفقراء الذين يزدادون أيضاً في كل يوم ولا ينقصون، بل تزداد أحوالهم سوءاً في كل ساعة.   

ففي العالم اليوم ينتشر مبدأ محاباة الغني على حساب الفقير في جميع دول العالم بلا استثناء، فالدول الكبرى تمشي على المبدأ الاقتصادي القائل: (إنه يعمل إذاً دعه يمرّ)، وهذا ما يحصل في مجتمعنا اليوم، فالسياسات الاقتصادية والنقدية للدول الغربية الكبرى الغنية اقتصادياً تقوم على استغلال موارد الدول الفقيرة وإغراقها بالديون، فهي تُنشّط اقتصاداتها وتجارتها في الدول المُعدَمَة، وتجلب استثماراتها وشركاتها إلى أسواق العمل في تلك الدول. وبالمقابل، يحصلون على العوائد والأرباح في حين تغرق هذه الدول بالأزمات والحروب والديون، والأمثلة عديدة على أساليب الاستغلال والاحتكار الدولي وأهمها بنك النقد الدولي الذي يعمل على المبدأ ذاته. وأيضاً، الفساد المنتشر في دول العالم الثالث والذي يستفيد منه الغرب في تسهيل أعماله ومصالحه في تلك الدول.

    وبسبب انتشار الفقر، حدّدت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للقضاء على ظاهرة الفقر ومكافحته والذي يصادف يوم 17 تشرين الأول، وبمناسبة هذا اليوم نستطيع اقتراح العديد من الحلول، وأهمّها هو وضع خطط فعّالة لتنمية الموارد البشرية على غرار تجارب بعض الدول مثل روسيا والصين وإيران والهند، فقد وضعت هذه الدول خططاً فعّالة للاستفادة من الكثافة السكانية العالية في مجالات عديدة من مجالات التنمية البشرية لديها، فمثل هذه الخطط تساهم بشكل فعّال في القضاء على الفقر ومكافحته.

نحن لا نريد فقط خططاً وحلولاً على الورق وكلاماً، بل نريد أفعال للبحث عن الأسباب التي أدّت إلى معاناة العديد من سكان العالم الذين يعانون الفقر والجوع واليأس من الحياة والوصول إلى ما دون خط الفقر.

إن العديد من الدول الغربية تعتبر المسبب الرئيسي للفقر في العديد من دول العالم الثالث، وتكاد لا تتكلّف عناء إجراء أبحاث تدرس ظاهرة انتشار الفقر في هذه الدول أو حتى في مجتمعاتها، فهي تنفق مليارات الدولارات على الأبحاث والاستثمارات الاقتصادية، وعلى كل ما يدرّ عليها من ربح وفائدة، في حين تبخل في إنفاق دولار واحد من شأنه أن يزيل البؤس والمعاناة عن الفقراء في العالم، ومعظم ذلك كله في أنها لا تريد أن تفتح على نفسها أبواب مغلقة تريد أن تبقيها مقفلة للأبد وإلى أجل غير مسمّى.

لكن، لابدّ أن يأتي يوم ينتفض فيه الفقير على الوضع الراهن، فالضغط في النهاية يولد الانفجار.

العدد 1104 - 24/4/2024