فلنحوِّله رجلاً… فنقتله!

إيناس ونوس: 

يعرَّف الفقر على أنه عدم قدرة الفرد على تلبية احتياجاته الأساسية اليومية التي تبقيه على قيد الحياة ناتج قلّة موارده، أي أنه وبمعادلة بسيطة هو الفارق بين الدَّخل الضَّعيف والاحتياجات الكثيرة. فحين نصف دولةً ما بالفقر فإننا نعني بذلك قلّة مواردها الطَّبيعية والاقتصادية والزِّراعية والتِّجارية … إلخ. وحاجتها للاستعانة بغيرها لتقوم بتلبية احتياجات مواطنيها، وقد صنَّفت المنظمات العالمية الدُّول على هذا الأساس.

من البديهي أن يكون كل ما تملكه الدَّولة حقاً طبيعياً لمواطنيها يجب أن يوزَّع بالتساوي عليهم ليحظوا بفرصة عيش لائقة بهم كبشر. أما أن تحتكر الحكومات وبعض زبانيتها الحصَّة الأكبر ولا تبقي إلاّ النَّزر اليسير لتوزِّعه على باقي أفراد الشَّعب فإنهم لن يحصلوا على حقوقهم ولا على فرصهم تلك.

وهذا ما يحدث في بلدان العالم الثالث معظمها والتي تُعبر غنيةً بمقياس التَّصنيف العالمي بحكم كثرة مواردها الدَّاخلية، بل وفي أفضل الأحوال تصل حدّ الاكتفاء الذَّاتي وليست بحاجة إلى المعونة من غيرها، إلاّ أن اعتماد حكوماتها طرق السَّلب والنَّهب واقتناص الفرص واستغلال المناصب لتكوين ثروات خاصَّة يجعل الفارق كبيراً جداً بين أفراد تلك المجتمعات ما يؤدي لانتشار العديد من الظَّواهر التي لا نجدها في الدُّول الغنية التي تعتمد أسلوب التَّوزيع العادل لكل المواطنين، تتجلَّى بأمثلة مختلفة منها:

_ عمالة الأطفال وتسوُّلهم وتركهم الدِّراسة وابتعادهم عن عالمهم الطبيعي.

_ تشرُّد العديد من الأفراد في الشَّوارع لأن لا مسكن لهم.

_ ازدياد معدَّل الجريمة النَّاجم عن الحاجة، وانتشار ثقافة مجتمعية تعتمد مبدأ الحاجة تبرر الوسيلة فتكثر الرشاوى والسَّرقة والدَّعارة …إلخ.

كل ذلك ينعكس بشكل مباشر على الحياة اليومية، فحين يزداد الطلب على مادة ما ويقلّ عرضها عن سابق إصرار من قبل المسؤولين بغية زيادة مكاسب التجّار سنعيش حالات من مثل جرائم القتل كالتي نشهدها حين يتمّ توزيع مادة المازوت في الشتاء كمثال بسيط، أو حين يعمد طفل صغير لسرقة مأكولات زميله في المدرسة بدافع الجوع، أو عندما تنتهج فتاة ما الدعارة كأسلوب حياة لتسدّ رمقها ورمق من معها، أو لتجعل من نفسها مساوية لغيرها ممن تراهم إنما واقعها لا يسمح لها بمجاراتهم. عندما يلجأ أحدهم لأي تصرف يمكِّنه من الحصول على المال الكافي لإجراء عملية جراحية لأحد أبنائه أو ذويه. صور متنوِّعة وكثيرة لا يمكن حصرها هنا للمظاهر التي سببها الأساس هو الفقر المادي وضيق ذات اليد، والمؤلم أن البلاد بمواردها وإمكانياتها قادرة على تأمين كل ما يتطلَّبه الجميع، لكن وجود ثلّة من اللصوص والجشعون الذين يعيشون على مبدأ (أنا ومن بعدي الطُّوفان) في مراكز القرار هو ما يودي بنا إلى هنا كما يؤدي لما يحدث على المستوى العالمي، إذ تُباع البلاد بأثمانٍ بخسة ويُسرق كيانها كاملاً لتتحول أداةً مطيعةً بيد دولٍ أخرى تنهبها بيد وتقدم لها العون باليد الأخرى، وخير مثال هو صندوق النقد الدَّولي، فالقائمون عليه هم تلك الدُّول التي تخدم مصالحها المباشرة بإضعاف ونهب باقي الدُّول وتأتي من جانب آخر لتمنحها المساعدات التي تبقيها أسيرة الذُّل والمهانة.

لم يخلُ عصر من وجود الفقراء والمحتاجين الذين كانوا مصدراً للعديد من الدِّراسات والأدبيات وغيرها، وجاءت المقولة الشَّائعة الشَّهيرة للإمام علي بن أبي طالب: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، لتؤكِّد أن الحل بالإمكان إن توفَّرت الرَّغبة والقدرة على ممارسة المساواة والعدل الحقيقيين بين جميع أبناء المجتمع، ابتعاداً عن الطَّبيعة البشرية القائمة على الأنانية وعدم الاعتراف بالآخر ككائن لغيره ما له من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات.

العدد 1104 - 24/4/2024