الفقر والإمبريالية: المتلازمة المرعبة

سامر منصور:

الفقر، المجاعات، رغم أننا كلما تابعنا تولي رئيس جديد لدولة كبرى لمنصبه، سمعناه يعد بعالم أفضل، ورغم أن المتفائلين بعصر الآلة بشّروا في مطلعه بعالم مختلف يعيش فيه الانسان حياة سهلة بعيداً عن الفقر والحرمان، ورغم أننا اليوم في عصر التكنولوجيا الذكية، إلاّ أننا مازلنا نسمع بمعاناة أعداد كبيرة من البشر بسبب الفقر والمجاعات، فقد قالت دراسة أُجريت منذ عقد من الزمن يموت إنسان كل ثماني ثوانٍ من الجوع، وهذا ما لا يحدث لدى بقية الأجناس الحيّة. فلا يوجد كائنات مسرفة متلافة وأخرى تموت جوعاً أو تعيش الفقر أو الخوف من الفقر إلاّ لدى أبناء الجنس البشري، والطريف أنه لا يوجد كائنات تنادي وترفع شعارات كالعدالة والمساواة وغيرها سوى في جنسنا البشري.

يوجد على الأرض ما يكفي الجميع، ولكن لا يوجد على الأرض ما يكفي الجشع الإنساني. نرى أُناساً يفتحون الثلاجة كل يومين لغرض تفقّد ما فيها وإن كان من طعامٍ يكفي للغد، ونرى آخرين يفتحون حسابات بنكية ضخمة ويعيشون في عملٍ واجتهادٍ في سبيل زيادة منازل إلى أرقام أرصدتهم الهائلة، أرقاماً لن يستخدموها. إن إخراج الأموال بالمعنى الشامل للكلمة عن التداول وتكديسها في خزانات هو تحييد لمعادلها الموضوعي الذي هو الكد والعمل وكدح الكادحين. وتكمن المشكلة باعتقادي في كون الرأسماليين هم المتحكّمون بالسيرورة في شؤون ومخرجات التقدم والتطور الذي يحرزه رواد الجنس البشري من علماء وغيرهم، وهم يسخّرونه لتكريس الطبقية وضرب الدساتير والمفاهيم التي تقوم عليها الدول الحديثة التي تنادي بمبادئ كالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات الطبيعية وتكافؤ الفرص.. الخ، عبر إفراغ التشريعات والدساتير من محتواها وإحالتها إلى شعارات تتوهج في مواسم الانتخابات، وتبقى جدوى الديمقراطية رهينة بعتبة الوعي التي بلغها المجتمع، فالشعب غير الواعي في معظمه لن يحكم نفسه لأنه يعجُّ بالدمى الإيديولوجية، ولأن الطبقة المتنفّذة تحكمه وتوجهه عبر وسائل الإعلام وغيرها من الأدوات التي يلجأ إليها عادةً صنّاعُ الإيديولوجيات ومروّجوها.

وتسعى الملكيات المستترة تحت لبوس ومسميات أنظمة الحكم الأكثر حداثة كالجمهوريات والدول، وهي لا تعدو كونها عائلة حاكم تصون مصالح الطبقة المخملية أسوة بالعصور الوسطى والعائلات المالكة وطبقة النبلاء، تسعى هذه الدول المتخلفة إلى إشغال الكيان الإنساني فيها ببعده الوجودي الجسدي، أي بمأكله ومسكنه وملبسه ومشربه، فإن لم يلهث وراء هذا فقراً وإملاقاً عاش خائفاً من الفقر، فانشغل بعوزه أو خوفه هذا عن ممارسة الحياة العقلية والارتقاء بوعيه والتحرر من الطبقية المقيتة. أي أن المتنفّذين في الدول المتخلّفة لا يريدون أن ينهض الشعب ليكون شريكاً في صناعة القرار والمصير وتقاسم الموارد، بل يريدونه كطاقة بشرية قابلة للاستغلال والتوظيف لخدمة وتمكين وتعزيز مكتسباتهم. ونحن نرى العديد من الدول العربية الغنية بالموارد الطبيعية تتّبع إلهاء شعوبها بلقمة العيش رغم ثرائها كخيار استراتيجي للطبقة المتنفّذة فيها وليس بحكم عوامل موضوعية مرتبطة بإمكانيات البلاد. أي أن معظم فقراء العالم هم نتيجة صناعة الفقر التي تمارسها القوى الاستعمارية والإمبريالية، إضافة إلى أنظمة الحكم الاستبدادي.

العدد 1104 - 24/4/2024