جريمة تطول فرداً وأخرى تطول شعوباً ودولاً

د. صياح عزام:  

 المتتبع للمشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي، وخاصة بعد اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي والضجة المفتعلة حول هذا الحادث إعلامياً وسياسياً، يلاحظ بسهولة ومن دون حاجة للتفكير كثيراً أن المعايير الدولية أصبحت مزاجية وخالية من أية قيم أخلاقية أو مشاعر إنسانية صادقة، بل الأكثر من ذلك أنها أصبحت مشاعر انتهازية تقوم على المجاملات والابتزاز والمصالح الخاصة، على حساب مصائر الدول والشعوب، خاصة منها الصغيرة.

والسؤال الذي يحضر إلى الذهن في زحمة هذا المشهد السياسي هو التالي: هل من المعقول أن جريمة طالت فرداً واحداً تترك وراءها مثل هذه الضجة غير المسبوقة وما تخللها من إدانات وتنديدات وشجب، وما تبع ذلك من اتصالات وتصريحات وزيارات، أكثر من جريمة قتل شعب اليمن وتجويعه عبر حرب سعودية – أمريكية بدأت قبل أكثر من ثلاث سنوات؟! وهل ما سُفك قبل ذلك من الدم السوري والعراقي على يد المجموعات الإرهابية التكفيرية المسلحة وداعميها لا يستحق صحوة ضمير من دول العالم التي تتباكى اليوم على خاشقجي، والتي تحركت بهذه السرعة إزاء ما جرى له في القنصلية السعودية في اسطنبول!

إنه أمر يثير الدهشة والاستغراب فعلاً، ولكنه يصبح أمراً عادياً في ظل ما أشرنا إليه من اهتزاز وعدم مصداقية المعايير القيمية السائدة في العالم، لدرجة يمكن القول معها إن هذا الاختلال في موازين التعامل مع الأحداث أصبح هو السائد دون أية مراعاة لإنسانية الإنسان. على أية حال يبقى القتل بهذه الطريقة جريمة مدانة، ولكن ولأخذ العلم نورد ما جاء على لسان الصحافي الأمريكي باتريك بول المتخصص في الأنم القومي والإرهاب، حيث قال في تغريدة له يوم 12/10/2018 والتي تضمنت صورة لخاشقجي يظهر فيها حاملاً قاذف آر بي جي إلى جانب مجموعة من مقاتلي بن لادن: (لم أكن أدرك حتى يوم أمس (أي يوم 11/10/2018) أن جمال خاشقجي كتب هذه المقالة الشهيرة في أخبار عرب نيوز عام ،1988 وهو يدور في أفغانستان مع أسامة بن لادن يحمل آر بي جي مع الجهاديين). طبعاً هذه التغريدة للصحافي الأمريكي تؤكد أن جمال خاشقجي داعشيّ في تفكيره وسلوكه، وأنه روّج لخرافة لما يسمى الجهاد الإسلامي في أفغانستان ولشبكة القاعدة فيها، وهو الابن الشرعي للمذهب الوهابي الذي يحلّل، باسم الإسلام، القتل للقتل ليس غير، وهو المدافع عن جرائم تنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق. وعلى سبيل المثال فقد قال عن جريمة تقطيع رؤوس الجنود السوريين في 25/7/2014: إنها عملية تكتيك عسكري وأضاف: (داعش تعرف ما تفعله!). نعم، هكذا قال، أي إنه بارك هذه الجريمة الفظيعة أي جريمة تقطيع الرؤوس! وبالتالي فإن من يبارك قطع الرؤوس ليس مستغرباً أبداً أن يلاقي مثل هذا المصير الأسود.

المهم أن قضية اختفاء خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وجعلها من قبل بعض الأوساط السياسية والإعلامية قضية رأي عام ومسألة اغتيال لرأي حر، أمر مقصود، الهدف منه ابتزاز السعودية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وتركيا من جهة أخرى، إذ لكل من الدولتين أهدافها الخاصة، فالرئيس ترامب يريد المزيد من المال السعودي، خاصة منه المودع في المصارف الأمريكية، إذ إن عينه عليه، وبالتالي سيعمل كما هو واضح منذ اختفاء خاشقجي على إيجاد مخرج ينجي ولي العهد السعودي الأرعن محمد بن سلمان من تبعات ما حصل لخاشقجي.

كذلك تريد تركيا أن يكون لها حصة في المال السعودي على شكل استثمارات أو غيرها، إلى جانب أنها تستثمر في هذا الحادث لصالحها كدولة منافسة للسعودية في زعامة العالم الإسلامي، لاسيما أن خاشقجي هو من جماعة الإخوان المسلمين.

على أي حال، يتضح أن آل سعود لا يتورعون عن ارتكاب جرائم تطول أي معارض لحكمهم حتى ولو تفوه بكلمة واحدة، إذ إن مجازرهم بدأت منذ عام 1922 بمجزرة قرية (الشعيبة) التي راح ضحيتها 3190 مصلياً في مساجد القرية، وصولاً إلى مجازرهم التي راح ضحيتها أكثر من مليوني عربي ومسلم في سورية واليمن والعراق ولبنان وفلسطين ونجد والحجاز، ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن هناك نقاطاً مشتركة بين مجازرهم ومجازر الصهاينة بحق الفلسطينيين والعرب عامة.

العدد 1104 - 24/4/2024