من حقائق السهل البسيط.. إلى نظريّات وعرة

غزل محمد عائشة:  

لعلّ الوقت لم يفت بعد لتجاوز ما أرهق البشرية من خسائر وموت ودمار، ذلك أنّ الأمم المتحدة أعربت منذ تأسيسها عن جاهزيتها للتخفيف من ويلات الحرب، فكانت مواثيقها ذات طابعٍ إنسانيٍ يحسم القضايا بجلّها لصالح الخير لا الشر منهما.

فعندما تُحرم أجيال كاملة من أدنى حقوقها، ويُقضى على مستقبلها، وعندما تصبح الاعتداءات على المستشفيات أمراً عادياً، حين تقع أحياء بكاملها تحت الحصار، هنا يتعيّن على المجتمع الدولي القيام بعمل حاسم وعاجل.

لم تتوانَ المنظمة الدولية عن أداء أدوارها الإغاثية بالدرجة الأولى، فالأزمة التي سُجِّلت على أنها أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحالي، كانت بحاجة الى 13 مليون شخص للإغاثة_ إن أمكن وجودهم_ وكان يتعذّر على الأمم المتحدة تهيئة وتدريب هذا العدد ليكون عوناً في عملية الإغاثة، فالكمال ليس مطلباً منطقياً! لكن العملية الإغاثية نُظر إلهيا بالتياعٍ شديد خلال هذه الطامة.

غير أنّ الإمدادات المادية للأمم المتحدة وحسب ما كانت قد تكفّلت به، أوجدت شرخاً عميقاً وسط ما يحدث، وتجاوزاً للكمية التي لن تكون كافية حتى لو بلغت عنان السماء، كان من الصعب إيجاد صيغة تعويضات توافق حجم الخسائر تلك.

فالكائن البشري الواقع تحت رعاية ميثاق الأمم المتحدة أولاً، والماكث على عتبة الحصار، كانت مطالبه أن يرقد وينام قدر ما يشاء، ناهياً نفسه عن كل ما عاهدت به الأمم المتحدة حياله ليُلقي بها جميعاً أدراج الرياح!

من الممكن رصد أنشطة هيئة الأمم خلال الصراعات والنزاعات، وفي حالات الزلازل والفيضانات، وفي مرحلة ما بعد الانتهاكات، وخلال فترات التعافي من الأزمات، لم يُرصد لها دور في الحدّ من كل ما ذُكر سابقاً!

فدورها ونظامها الداخلي يمنح لها صلاحيات في إيقاف الحروب كاملةً، ذلك أنّ المساعدات والإمدادات والمناداة بكرامة الإنسانية خفيفة الوطء على البشرية، إذا ما أمكن للأمم التدخّل قبل حدوث الحروب، لأنّ ذلك سيكون أكثر جدوى!

فهل للرأسمالية والسلطة العظمى سطوتها على قرارات الأمم؟ أم أن ما اكتفت الأمم المتحدة بتقديمه أفضل من لا شيء؟! أم أنّ القضّية الإنسانية وقعت بين أيدي الكتّاب الفارغين؟!

ولأن المجريات ظلت لغزاً غامضاً حقاً، كانت إحصائيات الأمم المتحدة لما قامت بفعله، هو أفضل من لا شيء، ويبقى فوق الحقيقة واجبٌ آخر أهمّ وأكثر إنسانيّة، بادرت إليه تلك الأمم.

 
العدد 1105 - 01/5/2024