الأمن مفتاح لمجتمع مُعافى

وعد حسون نصر: 

لا يمكن أن يكون المجتمع والدولة والأفراد في حالة جيدة ومستقرة من دون توفر الأمن والأمان، ويُشكّل غيابهما حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، ومناخاً ملائماً لانتشار الجريمة والخطف والاتجار بالبشر بكل أشكاله، وكذلك بيئة خصبة للسرقة والتعدي على ممتلكات الآخرين، لأن فقدان الأمن يترك انعكاسات سيئة على الحالة النفسية للأفراد، إذ يزداد الخوف والقلق عند الكثيرين ما يجعل البعض يخشى على نفسه وأولاده من شرور المجتمع، فيلزم المنزل رافضاً التواصل مع المحيط وخاصة عند حلول المساء.

ويترك غيابهما تأثيراً واضحاً أيضاً على صعيد الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياحة وما شابه، فلا يمكن لمجتمع لا يعيش حالة من السلم الداخلي والاستقرار النفسي والأمان والأمن أن يكون محطّ أنظار الراغبين في قضاء وقت جميل في رحابه، فالجميع يبحث عن الهدوء والسلام النفسي قبل كل شيء، وبخسارة أهم مقوّم للراحة ألا وهو الأمن والأمان، لا مجال للسياحة ولعائدات اقتصادية كبيرة يؤمّنها توافد السّياح، وهذا ما عكسته الحرب على سورية خلال الثماني سنوات، إذ فرضت عليها حالة من العزلة داخلياً وخارجياً، وازداد الخوف وعدم الاستقرار والقلق الدائم في نفوس أفراد المجتمع، وهذا كله ناجم عن التخريب الذي حلّ في النفوس قبل الأبنية والمنشآت. كذلك حالة التهجير وما عكسته من عدم استقرار في مكان واحد لفترة طويلة، وأيضاً حالات الاعتقال القسري والخطف والقتل، جمعيها فرضت حالة من الرعب وخاصة في نفوس الأطفال، إضافة إلى القصف والطيران الذي جعل الجميع في حالة استنفار داخلي طوال الوقت منتظرين ساعة هلاكهم. وإلى الآن وعلى الرغم من تحرير معظم المناطق ممّا يسمى إرهاباً لا يوجد استقرار تام في سورية، بما فيها المناطق التي تتسم بالأمان نوعاً ما، فبوجود أحقاد شخصية ونزاعات طائفية واتهامات وتخوين بالرأي والفكر لا يوجد أمان تام، لأن أحدهم قد ينتهز أدنى فرصةً للانتقام وردّ الاعتبار من وجهة نظره. ولا ننسى أيضاً أنه أينما حلّ الفقر والجوع حلّ الخراب وساد الشر وانتشرت الجريمة، وكثيرون ما زالوا يعانون الجوع والفقر والبرد والتشرّد، وهذه كلها أسباب كافية لتجعل من الفرد، إن استمرت طويلاً، مجرماً ناقماً على المجتمع. وهكذا تتولّد لديه ردّة فعل إجرامية! كما علينا ألاّ ننسى استمرار نشاط تجّار الحروب المتنعمين بأجساد الغير من تجارة أعضاء، إلى الاتجار الجنسي والنخاسة، إلى الصفقات المربحة من دم الشعوب، فمن ارتوى بالدم لا يمكن أن يشبع من الماء، وهذا كفيل بعدم الاستقرار وخاصةً بعد تكرر عمليات الخطف لمن هم في سنّ الطفولة والشباب.

من هنا لا يمكن وصف سورية أنها متعافية تماماً وفي حالة أمان تامة، على الرغم من تحرير الكثير من المناطق وعودة البعض من الأهالي، لأنه مازال هناك خروقات كثيرة وأهمها بقاء السلاح العشوائي في أيدي من ليس كفؤاً، ما يجعل كثيرين لا يشعرون بالسلام، ومع هذا وعلى الرغم من كل ما ذُكِر يبقى هناك حالة من الراحة يفرضها البعض على المجتمع، تعطينا الأمان المؤقت لنخرج من عزلتنا قاصدين بعض المناطق فنطيل السهر، متجاهلين الحرب وكل شيء يفرض علينا حالات الخوف، لنثبت لأنفسنا وللعالم أننا أحياء وأننا نحيا في بلد يتمتع بكل الأمان، وأن الأمن والسلام هو عنوانه.

العدد 1104 - 24/4/2024