وحدة الشعب السوري ضرورة لاستعادة وحدة الوطن

محمد الزبيدي:

لا ريب في أن الحفاظ على وحدة الوطن السوري هي المهمة الأساسية التي تقع على عاتق جميع الوطنيين السوريين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو الفكرية أو الطائفية. فالوطن هو المكان الوحيد الذي يجمع السوريين ويجدون فيه كرامتهم، وحاضرهم ومستقبلهم.

ولا شك، أيضاً، في أن الحفاظ على وحدة الوطن، أرضاً وشعباً، يتعزز باستمرار بمقدار ما تتعزز فيه وحدة الشعب السوري من خلال التنوع والفرادة، ومن خلال احترام الشخصية السورية التي تعتبر اللبنة الأساسية في هذه الوحدة.

ولا شك كذلك، في أن ما تعرّض له الوطن من ضربات أصابته بالصميم، كانت له أسباب داخلية، فسحت المجال لتدخّل خارجي واسع وكبير، استهدف بنية الوطن ونسيجه الذي تكوَّن عبر مئات السنين. لم يكن لهذا التآمر ان يفعل فعله داخل الوطن لولا ثغرات كبيرة تراكمت دون حل، على مدى سنوات طوال، الأمر الذي أحدث شرخاً داخلياً في هذا النسيج، وجعله هشّاً وعرضة لكل أنواع التضليل والاستثمار.

إن معرفة هذه الثغرات وتحديد أسبابها، والعمل على تلافيها، يمكن ان يعيد لحمة الشعب والوطن، ويؤدي ذلك، حتماً، إلى تعزيز الصلابة السورية في مواجهة الأخطار الكبيرة، التي أحدقت بالوطن وأحاطت به من كل الجوانب.

إن هذه الأزمة المصيرية التي عشناها، يجب ألا تمر دون أن نأخذ منها العبر والدروس، وإلا فالتاريخ لن يرحم.

إذاً، كي لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، يجب أن تُزال جميع المسببات التي يمكن أن تعيدها مرة ثانية. بمعنى، يجب أن نضع أيدينا على هذه المسببات، ويجب أن تكون الشجاعة، في طرحها، هي الموجّه للجميع. يجب أن توضع الأصابع على الجراح التي تنزف، ويتطلب ذلك مراجعة نقدية، لا بهدف جلد الذات، وإنما بهدف استيعاب الدروس. يجب الاعتراف، وبكل صراحة، بالأخطاء الكبيرة التي تراكمت عبر سنوات طويلة، سواء منها ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية، أو السياسية أو الفكرية، التي كادت أن تقوِّض بنية المجتمع السوري.

إن السياسة الاقتصادية، يجب أن لا تكون فئوية، ويجب أن تلامس وتعكس مصالح الفئات الاجتماعية الوازنة في البلاد، بحيث يشعر المواطن أنه شريك في صنعها، تخدمه وتعبّر عنه. يجب أن يعاد الاعتبار من خلال ذلك للتنمية الحقيقية التي توازن بين مصالح مختلف الفئات الاجتماعية، ويجب أن يكون الاهتمام موجّهاً، بصورة عميقة، إلى التوازن الاجتماعي الذي يحدّ من توسع الهوّة الاجتماعية وتعمّقها بين الفئات الاجتماعية كافة.

وفي المجال السياسي، يجب أن يشعر المواطنون بأن الأحزاب السياسية قد وجدت لخدمة مصالح الجماهير وليس العكس. لقد أخذت الجماهير الشعبية تغترب، أكثر فأكثر، عن الأحزاب، لأن هذه الأحزاب قد تعاملت مع الجماهير بفوقية، ووجهت ضربة قاصمة لكل التنوع الذي كان سمة أساسية من سمات ازدهار الشعب السوري وتطوره خلال فترات سابقة. إن فكرة الحزب الواحد المسيطر، والذي يجب أن يخضع له الجميع، لعبت دوراً كبيراً في تهميش قطاعات واسعة من الشعب السوري وتغربها، مما سهّل على القوى المتآمرة الخارجية، تضليل قطاعات واسعة، خصوصاً من الجيل الشاب. يجب أن يُزال وينتهي تغرّب الشعب. ويجب أن تتعزز وحدة الشعب السوري المبنية على التنوع، والمشاركة في رسم مسير الوطن.

وفي المجال الفكري، يجب أيضاً، بل ومن الضروري جداً، أن يقبل السوريون بعضهم بعضاً، أن يقبلوا بالتباين وبالاختلاف، لأن معيار التقدم الفكري والحضاري يكمن في قبول فكرة الاختلاف، فمنه تنبعث الأفكار الجديدة دائماً، ومنه تنشأ الحركة التي لا حياة من دونها. وهذا الأمر يجب أن ينعكس على كل مجالات الثقافة والعلم. يجب أن يعاد الاعتبار للتعليم من خلال رفض المسلمات. وللصحافة والإعلام، يجب أن تُضمن لها الحرية، إذ لا إبداع من دون ذلك. إن منشأ الركود الذي أصاب هذا القطاع، هو غياب حرية التعبير والرأي الآخر. ويجب أن يكون المحدِّد الأساسي للمسؤولية هي المعايير الحقيقية التي تضمن تطوراً فعلياً حقيقياً. إن أحد أسباب سوء الإدارة هي غياب المعايير، وكذلك يجب أيضاً الوقوف موقفاً جاداً تجاه مسألة تمس مصالح الشعب بأسره، وهي مسالة الفساد، ذلك أنها أصبحت منظومة متكاملة يرتبط حلها ارتباطاً عضوياً بتفكيكها، وليس بمحاربة بعض نتائجها الصغيرة.

وفي الختام، إن الحفاظ على وحدة الوطن مرتبط بتعزيز صمود الشعب. هذا الصمود الذي يجب أن يكون مؤسَّساً على وحدته الضامنة لكرامته ولمواطنته ولمشاركته. وبمقدار ما تكون هذه الوحدة المبنية على التنوع قوية وصلبة، يمكن استعادة وحدة الوطن وتسريعها، وهذه الوحدة هي أولى الضمانات الأساسية، وهي مسؤولية جميع القوى الخيّرة للمجتمع السوري.

فليكن، إذاً، شعار جميع القوى الوطنية هي وحدة الشعب السوري من أجل استعادة وحدة الوطن!

العدد 1104 - 24/4/2024