الأمن والأمان أساس العدالة الاجتماعية

إيمان أحمد ونوس: 

على مدى التاريخ الإنساني، ومنذ بدء التكوين، كان الأمن وما زال حاجة أساسية للفرد والمجتمع، وعلى أساس ذلك بناء دولة تسودها العدالة الاجتماعية لكل مواطنيها على حدٍّ سواء.

نتلمّس ممّا قلناه أن الأمن بشكله العام هو المطلوب، لكن هذا الأمن متعدد الأوجه والاتجاهات، فهناك الأمن الاقتصادي وهو الأساس في بقاء الجنس البشري على قيد الحياة، من حيث أنه يعني وجود الموارد الطبيعية اللازمة لحياة أي إنسان وتأمينها، من مزروعات ومحاصيل استراتيجية أساسية وثروات باطنية متعددة بما فيها من مياه ومواشِ وسواها من موارد تستدعي بالتأكيد وجود فرص عمل لكل الناس حسب اختصاصاتهم وميولهم وإمكاناتهم. وحين يتوفّر الأمن الاقتصادي والغذائي وبالتالي الصحي، فلا شكّ أن المجتمع سيعيش بحالة من الاطمئنان على الحاضر والمستقبل حتى للأبناء والأحفاد، إضافة إلى ضعف حضور الجريمة بمختلف صورها حيث تسود العدالة الاجتماعية التي تحفظ كرامة جميع الناس وحقوقهم، بغضّ النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم وآرائهم. وهنا تتجلى صورة الأمن السياسي مثلاً بأرقى أشكالها من حيث حرية التعبير والرأي والانتماء.

بالتأكيد، إن وجود هذا الأمان متعدد الجوانب والاتجاهات، وتعزيزه، كانا الركيزة الأساس لبناء الحضارات المتعاقبة على كوكبنا، وكلنا قرأ في كتب التاريخ والتراث أن تلك الحضارات قد ازدهرت بفعل عامل الأمان والاستقرار في المجتمع والدولة، فقد كان الأمن أحد أهم أسس الاستقرار سواء جغرافياً أو مادياً أو نفسياً، وقد قاد هذا الاستقرار إلى بناء وازدهار مختلف أنواع العلوم والآداب والمعارف والابتكارات التي شكّلت عماد الحضارات البشرية حتى يومنا هذا.

واليوم، وبعد سنوات الحرب الرهيبة التي اجتاحت نيرانها كيان الدولة والمجتمع في سورية، فانعدم الأمن والأمان على مختلف الصُعد النفسية والمادية والجسدية وحتى الروحية لعموم السوريين، وتزعزع الاستقرار النفسي والمادي والجغرافي للكثيرين الذين تشتتوا في مختلف بقاع الأرض مهجّرين ولاجئين ونازحين، ممّا أدى إلى زعزعة بنية الفرد والمجتمع، وانعدام مقومات الحياة في أبسط أشكالها، بسبب الخوف والقلق والاضطراب الذي فرضته الحرب مُكللاً بكل أشكال الموت والقتل وانتهاك حياة الناس وكرامتهم.

لذا، فإن أول الأسس المطلوبة في مشروع إعادة بناء سورية الحديثة، هو الأمن والأمان لكل الناس كي يتمتّعوا بكرامة تؤهلهم للقيام بواجباتهم كافة بلا خوف ولا رهبة من كونهم ينتمون إلى هذا الدين أو ذاك، إلى هذه القومية أو تلك…الخ. هنا، وهنا فقط يمكننا أن نبني ما دمّرته الحرب مادياً ومعنوياً بناءً متيناً قائماً على أسس الحرية والمواطنة والقانون التي تشكّل أسس العدالة الاجتماعية المنشودة. 

العدد 1104 - 24/4/2024