الأمان.. الأكثر أهميةً على الإطلاق

غزل محمد عائشة: 

تضاءل حجم المخاوف في الأيام القليلة الماضية بعد زعزعة الاستقرار الأمني في البلاد، فاضطراب ما بعد الصدمة كان المرحلة الطافية في هذه الأثناء، إذ انشقّ الشعب قسمين لا ثالث لهما، الأول مُفعم بالامتنان والرضا لحالة الاستقرار هذه، والثاني يسيطر عليه هاجس الحرب وأحداثها الصاعقة والمُفجعة.

والمهم طرحه هنا، هو أنه وخلال الحرب سُجلت حركات هجرة ونزوح كبيرة، فالهجرة كانت باتجاه الدول التي قدمت تسهيلات مغرية لأغراضٍ ليس من المهم ذكرها الآن، فاللاجئ سعى أولاً إلى دولة ترحب به وتكون أكثر أمناً من البؤرة الجغرافية المشتعلة التي يقبع داخلها، أما فرص العمل أو العيش في قصر أو مستوى الثقافة في تلك البلاد فكانت خارج نطاق ما اهتم به اللاجئون لحظة الفرار.

 أما النزوح فقد اتخذ مجرىً واحداً لدى الشعب المتنقل داخل الحدود السورية، فرأى في المنطقة الخالية من النزاعات وأصوات الرصاص ملاذاً يهرول نحوها، كل مسعاه هو الإقامة فيها، متنازلاً عمّا عداها من الأمور الثانوية المُستغنى عنها، فالنازح إلى مركز المدينة أصبح أكثر تقبّلاً لسوء الخدمات في الأرياف، ولم يكن متذمّراً من ارتفاع الإيجارات أو أسعار العقارات، على العكس تماماً، كان  على استعداد ٍ ليدفع إيجارات خيالية فاقت ما طُلب منهُ دفعه.

فالنازح استقر داخل بيت صغير لا نوافذ له، وإيجارات فاقت حدّ المعقول، وسوء خدمات المواصلات وغيرها، كانت أقلُّ وطأة من انعدام الأمن في بلدته. فتلك الوقائع على سوئها عُدّت مكسباً كبيراً في ظلّ توفّر متعة الأمن والاستقرار.

وتزامناً مع حركة تحرير المناطق والرجوع، فقد سُجِّلت حالات لم تكن ترغب بالعودة إلى مناطقها، لا شكّ أنّ ذلك بسبب الرعب الذي أوجدته الحرب، أو حالة الاستقرار وبعض التأقلم في مناطق آوى إليها ولم يُعكّر صفوها صوت رصاصة، فهي الأكثر أماناً بالنسبة له. ويبدو حتى الآن أنّ الاستقرار الأمني سيستمر في جذب من تسببت له الحرب بخوف وهلع دائمين.

أما عن الحال التي وصلت إليها البلاد، فلابدّ من ملاحظة بوادر عودة الأمن، لكن الأمر يحتاج   إلى فترات أطول للتعافي من اضطرابات ما بعد الصدمة التي خلقتها الحرب، فالمجتمع ككل يعاني من ضراوة انعكاساتها. وهنا لابدّ من أخذ الحذر والانتباه لوضع النهوض بسياسات جديدة وقوانين تساهم في بناء منظومة مجتمعية تناهض وتُخفّف من الدوافع المشؤومة، كالعنف والأذية والهدم والقتل وكل ما يتسبب للفرد بخوف أو تهديدٍ يطول سلامته النفسية والجسدية، علماً أنّ هذه الحقبة هي الأقسى مالم تكن عملية ترتيب الوضع الراهن، عملية تتخذ من الفرد نقطة بدايتها وأولوياتها. فلقد طال زمن التمهيد للفرح باستقرارنا، العذب جدّاً، والمقلق جدّاً بآنٍ معاً.

العدد 1104 - 24/4/2024