الأمان.. وطن يُشعرنا بإنسانيتنا

إيناس ونوس: 

يُعدُّ الشُّعور بالأمن والأمان من أهم الواجبات التي تقع على عاتق أيّة حكومة، كما أنه الشَّرط اللازم والكافي ليتحرر الإنسان من الكثير من القيود التي تُكبِّله وتعيق فاعليته كمواطن وتمنعه من الانطلاق لتحقيق أهدافه الواسعة، على الصَّعيدين الشَّخصي والعام.

فما هو شعور الأمان؟

الأمان يعني أن يكون لك بيتك الخاص، غير هيّابٍ من مجيء آخر الشَّهر الذي ربما يحمل الكثير من المفاجآت.

أن تعيش مع أسرتك وتشعر بدفئها وحنانها، غير خائفٍ على كبيرها ولا صغيرها من مرضٍ لا قدرة لك على علاجه، ولا على شبابها من سفرهم بعيداً عنك بحثاً عن لقمة العيش وتحقيق الأحلام.

هو ألاّ تقلق إن فكّرت في الإسراف بمصروفك خشية الحاجة، وألاّ تنتظر الراتب بلهفةٍ لتسديد ما عليك من ديون.

وألاّ تخشى قدوم الشِّتاء لأنك لا تملك ما تُدفئ به أوصالك من البرد. ولا أن تكبح رغبتك في السَّير تحت المطر الذي تحب قسراً كي لا تتبلَّل من الشَّوارع الملأى بالأوحال والأوساخ.

إنه شعورك بكينونتك كمواطنٍ له كرامته التي يحفظها له القانون أيّاً كنت! وألاّ يصرخ في وجهك من هو أصغر منك سنّاً فقط لأنه ابن فلانٍ من الخاصَّة وأنت أحد العامة.

وألاّ تخشى على مستقبلك ومستقبل أبنائك بعد الدراسة، وألا يُضنيك مشوار البحث عن عملٍ شريف.

الأمان شعورٌ يعشِّش في إصبع طفلك عندما يمدها طالباً دميةً أو طعاماً وأنت قادر على تلبيته دونما اختلاق مبرراتٍ أو أعذاراً.

هو أن تمرض وأنت مطمئن إلى أنك ستنال حقك في الحصول على العلاج اللازم.

وأن تصل إلى سن التَّقاعد محمَّلاً بحقيبة أحلامٍ للاستجمام ببداية رحلةٍ جديدةٍ من العمر بعد طول عطاء.

هو قدرتك على عيش قصة حبّك إلى آخر رمق دون خوفٍ من كيفية تأمين مستلزمات ما بعد الزَّواج، أو قلق رفضك لكونك من دينٍ آخر أو طائفةٍ أخرى.

هو نومك قرير العين لتستيقظ في الصباح بكل نشاطك ورغبتك في الحياة بدلاً من نوم تقطِّعه أفكارٌ وآمالٌ تعرف أنها لن تتحقق.

إنه تناول فنجان قهوةٍ وأنت تتنشق هواء نظيفاً.

الأمان يعني حصولك على فرصتك الحقيقية في التَّعليم والتَّحصيل الدِّراسي، لا أن تكون فأر تجاربٍ لصالح الغير.

هو تقدير مسؤوليك لعملك وعطائك لا محاسبتك فقط وتمييز الآخرين بسببٍ أو بغيره.

هو قدرتك على الاستجمام بإجازتك دون عناء التفكير بكم سيكلِّف هذا الاستجمام ومن طريق أي أمرٍ آخر سيكون.

الأمان هو قدرتك على رسم خططك المستقبلية لحياتك لا أن تعيش ليومك فقط.

هو أن يكون لك الحق في حديقةٍ عامةٍ تستظلَّ بشجرها وتسرح في مروجها، وأن يكون لأطفالك أماكنهم المخصَّصة ليلعبوا وأنت مطمئن عليهم.

وبعد الحرب، الأمان هو أن تسير في الشَّارع أو تجلس في بيتك دون انتظار قذيفةٍ من هنا، أو وشايةٍ من هناك. هو أن تعود إلى بيتك الذي قد هُجِّرت منه قسراً، وأن تلتقي بعائلتك التي تشرَّدت وتوزَّعت على خارطة الأرض كلها.

هو أن يؤكِّد لك وطنك أنه بأمسِّ الحاجة إليك لا أن يعاقبك على حبك له وبقائك فيه فيبعثر أشلاءك أكثر ممّا سبق.

قبل الحرب وبعدها، الأمان هو الأمان، ومتطلبات الإنسان هي ذاتها بل وتزيد، لأن ما من رغبةٍ أو حلمٍ تحقق، ولأن حكوماتنا للأسف لم ولن تعمل على تحقيق أيّ منها، بل تسعى إلى فرض المزيد من الضرائب وبكل المعاني لتُلغي أبسط شعور بالرغبة في البقاء في كنف بلادٍ أحببناها ولم ولن نحبّ غيرها.

العدد 1104 - 24/4/2024