الأمان شعور.. لا تكفينا المعطيات

غزل حسين المصطفى: 

بالفطرة الإلهية تبحث الحمامة جاهدة عن مكان آمن تضع فيه صغارها، يكفي أن لا تطوله الأيدي المُتطفلة، فتسعى لغذائهم دون خوف، هذا حالها ببساطة. فالأمان من هذا منظور أمر بسيط مُحقق أو قابل للتحقيق.

لكن ماذا عن الأمن والأمان في مفهومه الوطني تبعاً للبشر؟

برأيي لا يمكن تقييم حالة الأمن والاستقرار بشكل تقريبي أو حتى بطريقة بسيطة، ذلك أنه مفهوم عميق له ارتباطات وثيقة بقضايا حياتية ومجتمعية مهمة لا نستطيع تجاهلها أو إنكارها. فالمواطن العربي عموماً، والسوري خصوصاً، وحتى نُطلق على وضعه تسمية (حياة آمنة) أو (مجتمع آمن) يجب توافر مجموعة من الشروط منها الأمن الغذائي ووجود موارد كافية متجددة ومتاحة للجميع، أمن مائي، أمن اقتصادي يتمثل في الحالة المادية للفرد والعائلة، وكذلك الدولة والميزان التجاري ككل، إضافة إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، ممّا يمنح المواطن شعور الاستقرار دون حروب مُتقدة ونعرات طائفية ودينية.

هذه الأمور وغيرها تتكاتف لتُشكّل فكرة الأمن الاجتماعي، والمشكلة أن توافر الشروط الصحيحة لا يعني بالضرورة أن الحالة مُستقرة ومريحة. فالأمان الاجتماعي ضمن حدود الدولة الواحدة صحيح أنه يحتاج إلى مُعطيات واقعية قد تكون موجودة، لكن تحققه يشترط أن يشعر الإنسان بوجوده في وطنه أو البلد الذي يعيش فيه، فحتى لو كان كل شيء متوافراً وبكثرة تبعاً للقواعد الموضوعة ومشاهدات العيان، فنحن بحاجة إلى التماس الحالة واقعياً وضمن تجاربنا الحياتية.

من منظوري كمواطنة تعيش ضمن حدود الدولة السورية، يوماً ما كُنّا نقترب من فكرة الأمن الاجتماعي بما له من ارتباطات. لكن بعد حرب طويلة اتقدت وحرقت القيم ودمرت النفوس، وفتكت بالبنى التحتية للوطن، أرى أننا في حالة شرخ واضحة، فربما نعيش الأمن من الناحية العسكرية في بعض المناطق لا كلها، أما بالنسبة للتفاصيل الأخرى فلا أرى أننا نُقاربها ولو شكلاً، لاسيما ما حدث في الآونة الأخيرة، فقد استطاع مقطع فيديو مصور أن يحدث مشكلة عظيمة، فلم نستطع استيعاب الحالة، ولم نكن على وعي تام لاحتضان الفئات الناقدة أو المؤيدة، تُركت الأمور تجري على هواها باعتذار(س) وقبول بعض الجماعات أو إضمارها لأفكار مستقبلية غير مُصرح بها.

فأيّ أمن اجتماعي وحالات الاغتصاب والتحرّش والخطف ما زالت موجودة!؟

أيّ أمن ومنشور على مواقع التواصل الاجتماعي قادر على إشعال الحرب من جديد!؟

أي أمن والشباب لا هاجس له سوى السفر للبحث عن سبل عيش كريمة وفرصة ليُثبت ذاته؟

 تعميم حالة الأمن والاستقرار بحاجة إلى وجود واقع سليم معيش بطريقة آمنة تكفل للفرد حريته واستقراره، وتلبية حاجاته حتى البسيطة منها، أو تلك العظيمة، دون وجود أي نوع من التهديد يطوله. ولا ينصبُّ هذا على عاتق الدولة وأجهزتها فقط، إنه أمر يرتبط بالحكومات والأفراد معاً.

العدد 1104 - 24/4/2024