حلول بسيطة لمواجهة الخطر الكبير

إيناس ونوس: 

اكتشف الإنسان المخدِّرات منذ زمنٍ طويل، وبدأ باستخدامها دونما علمٍ ووعيٍ كاملين لتأثيراتها عليه، إنما وجد بها ما يبعده بعض الشَّيء عن واقعه، ويخفّف من خلالها بعضاً من متاعبه وهمومه، وبعد اكتشاف مضّارها، تحولت في فترةٍ معينةٍ لتكون حكراً على فئاتٍ محددةٍ من الناس، إلاّ أنها عادت وانتشرت فيما، بعد لتصبح بمتناول الجميع.

ومع تطور العلوم والأبحاث، تمّ التطرُّق لاحقاً لأخطارها ومضارها على الفرد والمجتمع، ليتمّ إعلانها كمواد محظورة اجتماعياً ودولياً، وحُصِر استخدامها لأغراضٍ معينةٍ، بعد أن بدأ العمل على تصنيعها، وليس فقط أخذها كمواد خام من الطَّبيعة.

وبحكم الطَّبيعة البشرية المستهلكة لكل ما تقع عليه يدها، أصبحت المخدرات كنموذج سلاحاً ذو حدين، وتمّ العمل على نشرها بين الناس، لا سيما في دول العالم الثالث، والمتخلف، لإبعادهم عن إعمال العقل وتطويره، ولإبقائهم في حالة تبعيةٍ دائمةٍ، يملكون الاستعداد لفعل أيّ شيءٍ مقابل الحصول عليها، بينما عوملت بطرق مختلفة في تلك الدول، التي تسمى الدول المسيطرة على العالم برمته.

كلّ ما سبق ذكره ربما يمكننا اعتباره ضمن نطاق قوانين الطبيعة، التي استخدمها الإنسان بطرقٍ بشعةٍ، مبيّناً حجم الشرّ الذي يحمله بداخله، أما وأن يتمّ تصنيعها بهدفٍ مسبقٍ، وباستخدام ما كان يعتبر من أرقى الحالات الإنسانية ألا وهو الموسيقى والعلم، فهذا ما لا يمكن لعاقلٍ أن يتقبّله أو يسلّم به.

فالهدف المنشود من خلال انتشار ذلك الشكل من المخدرات، الذي يسمى بالمخدرات التكنولوجية، يُعد من أشنع ما يقوم به البشر خدمةً لحفنةٍ قليلةٍ على مستوى العالم ككل، إذ لم يعد نشر هذا النوع من المخدرات حكراً على دولةٍ محددةٍ، أو مجتمعٍ بعينه، وإنما أصاب أوّل ما أصاب أبناء وشباب المجتمعات الأولى قبل غيرها، بحكم امتلاكها لتلك التكنولوجيا وأدواتها أكثر من غيرها!! بغية إبعاد تلك الشرائح عن ذاتها، وإقصائها عن عملية البناء المجتمعي، والعلمي، والإنساني عامةً، وأصبحنا نخشى حقيقةً من الذكاء البشري، الذي لا يدّخر جهداً في هدم ما تبقّى من الخصال الإنسانية الحميدة، إذ يُحوّل كل ما تقع عليه اليد لأدواتٍ تخريبٍ، وعبثٍ في العقول الناشئة، ورميها في مهب الريح.

نعم لقد تحولت التكنولوجيا، وبفعل فاعلٍ، لسلاحٍ ذو حدين، والأخطر أن الجانب السلبي منها يظهر ويبرز بشدةٍ أكثر من الإيجابي، والسؤال الذي يطرح نفسه: لصالح من وماذا كل هذا؟؟!!!

ربما نقول أن مجتمعنا لا يزال بمنأى عن هذا النوع من المخدرات، بحكم عدم السماح بامتلاك التكنولوجيا، بالطريقة المنتشرة في المجتمعات الأخرى، إلاّ أننا لسنا بعيدين كل البعد، وما لم يصلنا حتى اليوم، سيصلنا لا محالة، وربما في وقت يكون فيه غيرنا قد تجاوزه، فماذا نحن فاعلون؟؟؟

باعتقادي، فإن أول ما بمقدورنا فعله الانطلاق أولاً من البيت، وتغيير أنماط التربية المتعارف عليها، والمزيد من المكاشفة والاقتراب بين الأهل والأبناء، والمزيد من الرقابة الأبويّة على ما يقوم الأبناء بفعله، سواء داخل أو خارج البيت، وهذا أهمّ لبنةٍ في عملية التصدّي لأيّ أمرٍ من شأنه أذيّة مجتمعاتنا، ومن ثم يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني، فيما يخصُّ شؤون المجتمع، في التحرّك للعمل على نشر التوعية المجتمعية، ضدّ هذا النوع من المخاطر، ليكتمل العمل بوجود الحكومات الفعّالة، التي من واجبها إبعاد الجيل الشاب عن كل ما يمكنه العبث به، وبمقدراته، من خلال الاهتمام بالتّعليم، وتبنّي سياساتٍ متطورة في هذا المجال، ومن ثم التوجّه نحو سوق العمل، والسماح للشباب بالعمل، وإبراز طاقاتهم بدلاً من رميهم في مهب الريح، يتملّكهم الفراغ، الذي بدوره سيجعلهم مستباحين، وأكثر سهولة في تلقّي كلّ ما من شأنه أن يشغلهم عن واقعهم المأساوي، ويرميهم في النار، والابتعاد عن الحلول المسبقة والجاهزة كمنع وحصر التكنولوجيا بأيدي حفنةٍ محددةٍ، ذلك بأنّ كل ممنوعٍ مرغوب، لأنه سيعمل على نشر ما لا نريد، وبشكلٍ أبشع مما نتخيل.

العدد 1105 - 01/5/2024