تكنولوجيا العصر…مخدرات الشعوب

حسن البني:

غدت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وما توصّلت إليه من اختراعاتٍ متطورةٍ، وحديثةٍ في هذا المجال، بمثابة سلاحٍ ذو حدين، فبقدر ما هي ضروريةٌ اليوم، في التواصل وتسريع وتسهيل العديد من العمليات الحيوية في المجتمع، وجعل الحياة والعمل أفضل وأسهل، بقدر ما أصبحت تُشكّل خطراً على حياة الأجيال القادمة، وخاصة جيل الشباب النّاهض، بما يترتّب عليها من تبعات خطيرة في مجال الاستخدام غير المسؤول، أو المفيد.

من هنا، فإننا اليوم، في مواجهة نوعٍ جديدٍ من المخدرات، لا يقلُّ خطورة عن أنواع المخدّرات العادية، والمحسوسة، في المجتمع، بل هي أخطر بكثيرٍ، وقد أشار بعض الباحثين والكُتّاب والمختصين إلى  هذا النوع من المخدرات، باسم (المخدّرات الرّقمية)، وهو نوعٌ من المخدرات، بدأ ينتشر شيئاً فشيئاً بين أوساط العديد من الشباب، مستخدمي التكنولوجيا الرّقمية.

والمخدّرات الرّقمية قد لا يعرف العديد من الناس مدى خطورتها، لأن كلّ ما يحتاجه هذا المخدر للوصول إلى  ضحاياه، هو أن يكون لدى الضحية جهاز كمبيوترٍ محمولٍ، أو آي باد أو هاتفٍ ذكيٍ وسماعةٍ توضع على الأذنين، وبذلك يتسلّل إلى الضحية عن طريق برامجَ معينةٍ، تبثّ تردداتٍ تحتوي على ذبذبات معينة، تعطي المرء نفس شعور الخضوع للمخدرات الطبيعية، وفئة صغار السن كالمراهقين والشباب، هم الفئة المستهدفة، والأكثر عرضةً لخطر هذا المخدّر، فهم الآن الأكثر استخداماً للتكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وما يدعو للأسف، أن العديد من الشباب، يستخدمون التكنولوجيا الرّقمية بولوجهم مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي، دون قيودٍ أو رقابةٍ أسريةٍ، على مضمون البرامج التي تبثّها وتحتويها هذه المواقع، فيصبحون فريسةً سهلةً للبرامج التي تستهدف العبث بعقولهم، وتعريضهم للانهيار الاجتماعي، ممّا قد يؤدي بهم للانتحار في نهاية الأمر، ومن الأمثلة على هذه البرامج، بعض ألعاب الكمبيوتر الموجهة إلى الأطفال، مثل لعبة (الحوت الأزرق)، التي أدّت لانتحار العديد من الأطفال في العالم، جرّاء استخدامهم هذه الألعاب الخطيرة.

لذلك آن لنا أن نسأل: أين كان الأهل عندما تركوا أطفالهم أمام هذه اللعبة؟ لماذا لم يراقبوها قبل أن يدعوا أطفالهم وحيدين أمامها؟ ولماذا تركنا شبابنا وأطفالنا يحصلون على ما يرغبون، حتى لو كانت على حساب أرواحهم؟.

من هنا تأتي أهميّة التوعية بمخاطر هذه البرامج، كالمخدرات الرقمية وغيرها، التي تستهدف العقل البشري، والبحث عن المستفيد من وراء نشره وبثّه للترددات، التي يسعى بها لتعطيل موجات الدماغ، لنتمكن من الوقوف في وجهه، واتخاذ إجراءاتٍ من شأنها ردعه، خاصة أن هناك من يبحث عن الرّبح الماديّ، بغض النّظر عمّا يتركه من تأثيرٍ قاتلٍ للأرواح.

وأول خطوةٍ: هي أن يكون للأسرة دور،ٌ في توعية أبنائها، من مخاطر استخدام هذا النوع من البرامج الهدّامة، والغريبة عن قيمنا وعاداتنا، التي تبث أيديولوجيا، تدعو للإدمان على العادات السيئة، وأن نغذي عقول الشباب بكل ما هو مفيدٌ من العلوم، وندفعهم إلى الاطلاع، والمعرفة، والبحث في الموسوعات العلمية والكتب، فلا ندعهم يعتمدون فقط على الهواتف الذكية، والحواسيب اللوحية، فالعديد من الدول المتقدمة الآن، تعتبر الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، وترك القراءة والبحث من الكتب المطبوعة، نوعٌ من أنواع الأميّة، المنتشر في العديد من دول العالم، حيث أصبح البشر يعتمدون في  استنباط معارفهم، واستمداد المعلومات، على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى لو كانت المعلومات مغلوطةً، وغير دقيقةٍ، فهم يشعرون أن في ذلك إشباعاً لحاجاتهم، لكن ما يحدث هو تخديرٌ وليس إشباعاً، هو مخدّرٌ للشعوب، لتبقى ضعيفةً، لا تقوى حتى على الدفاع عن نفسها.

نصيحةٌ أخيرة: يبقى الكتاب دائماً خير جليسٍ، مهما تقدم به الزمن.

العدد 1105 - 01/5/2024