الأمن الاجتماعي والأمان الاجتماعي المفقود

جريدة النور

شادي محمد حسن :

الأمن  الاقتصادي هو الطريق للوصول إلى الأمن الاجتماعي. الأمن حاجة أساسية للشعب وضرورة من ضرورات بناء المجتمع والحضارة، فلا أمن بلا استقرار ولا حضارة بلا أمن. ولا يتحقق الأمن إلا في الحالة التي يكون فيها العقل الفردي والحس الجماعي خالياً من أي شعور بالتهديد للسلامة والاستقرار. إذا كان للدولة سابقاً هيبة وسلطان على المجتمع، فذلك لم يكن دائماً بسبب جبروتها والخوف العام منها، وإنما كان أيضاً بسبب نجاحاتها النسبية في إشباع قسم غير كافٍ من الحاجات الاجتماعية للشعب ولطبقاته المحرومة على نحو خاص. ما الذي يبقى من سلطان للدولة حين تستقيل_ أو تقال، من وظيفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوكِل أمر الاقتصاد إلى تجار القطاع الخاص؟ ماذا عساها تصبح حين تكف عن التدخل في السوق والأسعار أو عن دعم المواد الأساسية للاستهلاك الشعبي وحماية القدرة الشرائية للمواطن السوري ومنع الاحتكار والغلاء؟ وأي مرجعية اجتماعية تبقى لها حين تتوقف عن الاستثمار في البنى التحتية وقطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة، وعن توفير فرص عمل للأيدي العاملة ولحملة الشهادات وخريجي الجامعات؟ وكيف سينظر إليها مواطنوها وهم يشعرون بأنها تخلت عنهم وتركتهم لقدرهم البائس يواجهون جشعاً رأسمالياً لا يرحم؟

إن الأمن الاقتصادي هو جزء من منظومة أمنية متكاملة يشملها مفهوم الأمن البشري الذي يقصد منه تأمين حياة المجتمع من الأخطار التي قد تحيق به من الخارج، كما يشمل الأمن على حياة الناس من تهديدات الفقر أو المرض أو الفساد والجهل، ولهذا فإن التعامل مع مفهوم الأمن ينبغي أن ينظر إليه على أنه مفهوم شامل لكل الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ففي المجال الاقتصادي لا بد أن يستوعب هذا المفهوم المطالب الاقتصادية للمجتمع ورفاهيته، وبالأخص القضايا المتعلقة بالتنمية البشرية التي تستهدف بناء الإنسان وكرامته وحفظ حقوقه وواجباته، كما لا بد من العمل على تأمين سبل الوقاية المبكرة لحفظ المنجزات الاقتصادية وتوفير أسباب الحياة الكريمة للأجيال القادمة ومساعدتهم على توفير السكن والعمل والتعليم والصحة الجيدة.

تعاني سورية مِن موجات الخوف والقلق ونقص في الثمرات والأنفس، بسبب الصراعات الدامية التي تغطي البلاد، الأمر الذي يدفع بالقائمين على شؤون المواطنين من حكومات وأجهزة أمنية ومؤسسات المجتمع إلى التفكير بصورة جدية لإعادة صياغة الأمن بكل أبعاده، والعمل لوضع منظومة للأمن الاجتماعي تكفل كل الجوانب الأمنية التي يحتاجها المواطن السوري في مجتمعه، بمواجهة عوامل التخريب الاقتصادي، ومكافحة البطالة التي عصفت بالبلاد. لذلك أصبح الأمن الاجتماعي الهاجس الأكبر في حياة كل مواطن سوري، فالحاجة إلى الأمن يشمل جميع السوريين الذين يعانون من المخاوف المتعددة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وخوف الشباب من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم بعد أن نجوا ونجونا من الموت بسبب بطولاتهم العسكرية؟ إننا نحتاج إلى جملة إجراءات سياسية واجتماعية وثقافية تستهدف توفير الأمن الشامل الذي يحيط بالفرد والمجتمع، وليست هذهِ الإجراءات سوى جزء مِن الأمن الاجتماعي، إذ لابد من تحقيق أقصى تنمية لقدرات الإنسان في المجتمع لتحقيق أقصى قدر مِن الرفاهية، في إطار مِن الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية؛ هذا بالضبط ما أقصده بالأمن الاجتماعي، فهو من جانب خطط وإجراءات تضعها السلطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تفجير الطاقات المكبوتة في داخل الانسان للحصول على أكبر قدر من الناتج الذي ينعكس حتماً على رفاهية المجتمع واستقراره.

 

الفرق بين الأمن الاجتماعي والأمان الاجتماعي

الأمان: هو عبارة عن شعور داخلي ينتج عن الأمن ويتمثل في شعور وإحساس الأشخاص والجماعات بالراحة والطمأنينة، مما يوفر لهم جواً مناسباً للقيام بكل أشكال الأنشطة الحياتية اليومية بمعزل عن الخوف والقلق، ويأتي نتيجة قيام الدولة والأفراد بالالتزام بكل سبل الحماية والدفاع التي تضمن لهم تحقيق الأمن، وبالتالي الاحساس بالأمان، ومنها تسوية النزاعات الداخلية سلمياً، وفرض سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد وطبقات المجتمع دون تفرقة، وكذلك التصدي للعدوان الخارجي، وتوفير التوزيع العادل للموارد بحيث يضمن العدالة في الأجور والمداخيل، ويتجنب ظهور المجتمعات الطبقية التي ينتج عنها طبقة أغنياء وطبقة فقراء أو أشخاص تحت خط الفقر مما يفاقم معدلات الجرائم داخل المجتمع.

الأمن: هو عبارة عن الممارسات التي تضمن التخلّص من المخاطر التي تهدّد السلامة العامة، ويعتبر الأمن مسؤولية اجتماعية وعملية مقصودة يقوم بها الأشخاص لتوفير الحماية لأنفسهم وغيرهم، إذ يبعثون الراحة والطمأنينة في نفوسهم وقلوبهم وقلوب الآخرين لضمان استمرار عمليات التنمية والتطور والعمل والإنتاج، عن طريق اتّباع سبل وطرق وإجراءات الأمن والسلامة.

 

مقومات وسبل تحقيق الأمن الاجتماعي

1- سيادة القانون: أن تطبق المراسيم والتشريعات ويكون القانون فوق الجميع بعيداً عن المحاباة والواسطات.

2- العيش المشترك ومحاربة العنف.

3- القضاء على البطالة والحد من الفقر، من خلال توفير فرص عمل للشباب السوري والاهتمام بالكفاءات.

4- الحد من هجرة العقول واستنزاف الكفاءات السورية.

5- العدالة الاجتماعية والمساواة في الأجور.

6-مكافحة الفساد بكل أشكاله.

7- تأمين حياة كريمة للمواطن السوري.

إن اليد الواحدة لا تصفق ومؤسسة واحدة لا يمكنها القيام بالإصلاح، لا الأسرة وحدها ولا الإعلام وحده ول االمدرسة والجامعة والوزارة ولا تشريع القوانين الرادعة، بل لا بد من هذه كلها معاً في مجتمع متعاون متكافل. وكذلك النظام الاجتماعي لا يمكنه وحده أن يكفل الاستقرار والأمن، فلا بد من النظام الاقتصادي والسياسي والتربوي.

كل الرحمة لدماء شهدائك سورية والخلود للجيش السوري!

العدد 1105 - 01/5/2024