معرض دمشق الدولي.. ظاهرة اجتماعية قلَّ نظيرها

سامر منصور:

عندما ننظر إلى الأنشطة الاجتماعية التي يحتشد فيها كمٌّ كبير من الناس ونميّز نوعية تلك الأنشطة، نلاحظ أن مدرّجات كرة القدم وصالات الغناء والطرب وفترات التنزيلات في(المولات) وحلبات المصارعة وسباقات السيارات.. الخ هي الأكثر اكتظاظاً. فهل هذه الأنشطة على درجة عالية من الأهمية؟ وهل يجب أن يخصص لها الإعلام الرسمي والحكومي جهودا كبيرة؟ للإجابة عن مثل هذا السؤال علينا أن نميّز بين الأنشطة الترفيهية والأنشطة التي فيها قيمة مضافة وتضطلع بدور نهضوي. من هنا سأنطلق للحديث عن معرض دمشق الدولي، وهو حدث أرتقبه منذ أن كنت طفلاً، ويشكّل باعتقادي لأبناء الطبقة الفقيرة ولجزء من الطبقة المتوسطة نشاطاً ترفيهياً بامتياز، بينما قد يُشكّل لمن تبقى من شرائح موسم تبضّع وفرصة لإجراء صفقات تجارية وللاطلاع على آخر ما وصلت إليه الصناعات المحلية، وأبرز ما يجري تصديره إلى سورية ومنها.

وقد استطاع معرض دمشق الدولي، رغم محاولة العديد من الدول ذات النفوذ الاقتصادي العالمي الكبير فرض حصار خانق، استطاع المعرض أن يجسّد حالة الصمود للتاجر والصناعي السوري في وجه كل ماحيك ضدّ سورية، واستطاع أن يمثّل حرية المشاركين من الدول الأجنبية التي لم ترضخ للإملاءات الإمبريالية، وقوة إرادتهم.

إن معرض دمشق الدولي ظاهرة مقاومة بكل معنى الكلمة، وإضافة إلى أهميته للتجّار والصناعيين، فله رمزية خاصة من حيث أنه فعّالية جامعة لكل أبناء الوطن من جميع الأجيال والمحافظات والشرائح الاجتماعية، كما يجسّد اهتماماً حقيقياً من الدولة بمواطنيها من حيث التنظيم العالي وتأمين وسائل نقل مجانية وشبه مجانية، وقد خصص عدد من القطارات في هذه الدورة من المعرض لنقل الناس بالآلاف يومياً من مدينة المعارض وإليها، بقصد تخفيف الازدحام الطرقي.

إن التنظيم العالي والحرفية المتجلية حتى في المواكبة الإعلامية لهذا الحدث الاقتصادي الاجتماعي المميّز تجعلنا نتفاءل كسوريين إزاء المستقبل، ونتمسّك أكثر بنهج محاربة الفساد. فهؤلاء الصناعيون والتجّار، وتلك المؤسسات الخاصة والعامة التي تساهم بهذه الفعالية المشرّفة، يستحقون حتماً بعد كل هذا الصمود وتلك المثابرة أن يحظوا بفرص متساوية في بلادهم الغنية، وأن يتحقق إنصافهم، وهذا غير ممكن في ظلّ استشراء الفساد الذي يتيح الاحتكار ومظاهر أخرى لها آثارها السلبية الخطيرة على الصناعيين والتجّار الشرفاء، ولاحقاً على لقمة عيش المواطنين ومستلزمات حياتهم.

العدد 1105 - 01/5/2024