المعرض ظاهرة شعبية

حسين خليفة:

 

المعرض نشاط اقتصادي موجّه غالباً لأصحاب الاختصاص ورجال الأعمال والاقتصاديين والمهتمين بالإنتاج والتسويق والإبداعات التقنية وغيرها، لكن معرض دمشق الدولي هو استثناء عن كل المعارض مفهوماً وحضوراً.

إنه أقرب إلى مناسبة وطنية اجتماعية أهلية، فترى الناس يقصدونه زرافات ووحداناً، عائلات بقضها وقضيضها تؤم المعرض وهي تمارس فيه طقس السيران الدمشقي.

منذ كان مكان المعرض في قلب دمشق على ضفاف المرحوم نهر بردى، كان مناسبة شعبية بامتياز، وجزءاً من ذاكرة دمشق المبللة بالحب والبساطة، نوافيره، صوت فيروز يصدح في جنباته، حفلات أشهر الفنانين العرب والعالميين والسوريين طبعاً، مسرحيات، أسواق للبيع، معارض كتب….الخ.

وحين نُقل المعرض إلى مدينة المعارض بعيداً عن المدينة على تخوم مطارها الدولي، صارت السفرة إليه متعبة ومكلفة لمن لا يغامر بالتدافع على أبواب الباصات المجانية، لكنه بقي ملاذاً آمناً للدمشقيين، ومكاناً لارتياد الذاكرة والحلم، بقي موئلاً لسيران العائلة، إذ تحلو المشاوير مع نسائم بدايات الخريف.

ما علاقة معرض كهذا بإعادة الإعمار الذي ما زال حلماً رغم أطنان الكلمات التي كتبت فيه؟

ما علاقته بالنشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي؟

أدّعي إن المعرض_ على الأقل في دوراته الأخيرة_ هو مجرد تظاهرة للحياة، صورة لاستمرار السوريين في عنادهم على البقاء رغم أنف الحرب والمتحاربين، خصوصاً مع غياب معظم المشاركات الدولية الوازنة، بسبب ظروف الحرب والحصار والخلافات السياسية التي تعود في جذرها إلى الاقتصاد، وبالتالي تنعكس ركوداً وتراجعاً في الأداء.

صحيح أن هناك شركات صناعية وزراعية وتجارية وسياحية تشارك في المعرض وتنتظر تفاعل رجال الأعمال معها، لكن معظم (البروشورات) التي تطبعها يتخاطفها الأطفال مندفعين خلف غواية الطباعة الأنيقة والألوان الزاهية، وجرياً على قول المثل السوري (كل شي ببلاش كتّر منّو).

صحيح أيضاً أن عدداً لا يستهان به من صناعيينا وزراعيينا، والقائمين على النشاط السياحي والمالي والتجاري يزورون الأجنحة التي تهمهم وتناسب عملهم، لكن لم يتحول المعرض يوماً إلى فعّالية اقتصادية بحتة كما يفترض أن يكون، بل بقي عرساً شعبياً لطيفاً يخرج فيه الناس من خنقة البيوت إلى اتساع المكان وطلاقته.

إعادة الإعمار تحديداً مسألة صعبة وشائكة ومليئة بالمخاطر، وتحتاج أول ما تحتاج إلى بيئة سياسية ومجتمعية مستقرة وهادئة، إلى إنجاز التسوية السياسية التي لا بدّ منها بعد كل هذا الثمن الفادح الذي دفعته البلاد والناس، ولا يمكن لمعرض أو ندوة أو ورشة عمل سوى أن تكون شعاع ضوء على النوايا والخطط والرؤى، التي تخص إعادة الإعمار، بانتظار توفر الشرط الضروري للإقلاع الحقيقي بهذا الهدف النبيل، الذي يشكل المقدمة لعودة السوريين المنكوبين إلى منازلهم وأعمالهم ومصادر رزقهم، وهو الحل السياسي كما أسلفنا، الحل الذي يؤسس لوطن حر موحد ديمقراطي علماني يعتمد المواطنة أساساً للانتماء، ويحترم كرامة المواطن، وطن قائم على التعددية السياسية الحقيقية ومبدأ فصل السلطات وتداول السلطة بالانتخابات الحرة النزيهة.

سوى ذلك يبقى الحديث عن إعادة الإعمار مجرد خطابات وإعلانات تؤسس للحدث ولا تتيح إمكانية الإقلاع به.

العدد 1105 - 01/5/2024