اتفاقيات حقوق الإنسان حافز وليست مُنشئ

سامر منصور:

القرار الحكومي في الكثير من المسائل التي تتعارض مع الوضع الاجتماعي السائد، بحكم العادات والتقاليد، ليس كافياً لإنهاء الظواهر الاجتماعية المتخلفة، المجحفة بحق شريحة اجتماعية ما، وأحياناً لا يعدو كونه مرتكزاً، إذا لم يُبنَ عليه مسائل أخرى، من شأنها تفتيت تلك الظاهرة، فهو لا يكتسب جدوى عميقة.. فلا يكفي أن يوقّع ممثلٌ للحكومة على اتفاقية ما، تتعلق بحقوق الإنسان أو حقوق الطفل..الخ، ما لم يتمّ الاشتغال على الظاهرة عبر الوزارات الأربعة، كحد أدنى التي تخاطب من خلالها الحكومة الناس، وتتواصل مع وعيهم وتؤثّر فيه، ألا وهي وزارات الإعلام، التعليم، التربية، الثقافة.

ومن الجدير باعتقادي بأي حكومةٍ، الاشتغال على رفع عتبة الوعي الجمعي، أكثر من الاندفاع نحو توقيع كم من المعاهدات الدولية.. فتنامي الوعي يجعل توقيع تلك الاتفاقيات تتويجٌ وتكريسٌ للقيم الإنسانية، التي يفرضها الوعي كحالة طبيعية، قابلة بموجبه للاستدامة.. بينما لا يتعدّى توقيع اتفاقياتٍ مرتبطةٍ بحقوق الإنسان وغيرها، حالة استعراضية، وبازاراً في مزايدات دولية تجاه المكون الجوهري، والمحوري، لأي دولة ألا وهو الإنسان.. فتبدو بعض الدول كمن يرتدي ثوباً فضفاضاً، يتعدّى مقاسه، إن لم يتوافر الوعي المجتمعي الكافي، لإدراك أهمية وأبعاد جوهر الاتفاقية..

مثلا إن مجرد نشوء الطفل في بيئة العشوائيات والفقر، يجعله أكثر عرضةً لعمالة الأطفال، والحرمان من فرصة تعليم لائقة، وغيرها من حقوقه، كتوافر مرافق آمنة للعب مثلا، وبالتالي سعي الدولة لتنظيم مناطق العشوائيات، بشكل يحترم إنسانية ومواطنة قاطنيها، وغير استفزازي، هو باعتقادي أهم من توقيع اتفاقيات دولية تخص حقوق الطفل. إضافة إلى أنّني أرى أن الكيان السامي الواعي بإنسانيته، يفعل الصواب والخير من تلقاء نفسه، والحكومة الصالحة لا ينتظر مسؤولوها قراراً سياسياً بتوقيع اتفاقية ما، معنية بالعمق الإنساني، كي يتحركوا باتجاهه، بل هم في حراكٍ نهضوي تنويري بانورامي، بحافزٍ إنساني وطني أخلاقي، قبل أن يكون حافزاً من محافل وتوجهات دولية..

ولكنّنا مع الأسف نجد في الدول العربية، التي لم يحسن معظمها إلى اليوم، تغليب الموضوعية والعقلية المؤسساتية، على عقلية الشخصنة والاستزلام، والشللية وتقديس الأشخاص، وربط النهضة بهم عوضاً عن إجلال الدساتير، والقوانين، والنهوض عبر أنماطٍ حضارية من السلوك والتفكير والتحرر، مع هوامش متاحة من اللانمطية الخلاقة، والإبداعية النهضوية.. ممّا يجعل العديد من الدول العربية محل انتقاد، إزاء التزاماتها وتعهداتها الدولية، فيما يخص حقوق الطفل أو المرأة، والأسرى ومعتقلي الرأي، أو حقوق الإنسان عموماً.. ولا تشكل المعاهدات الدولية استثناءً في بلاد العرب، عن أيّ نصوصٍ قانونية، فكل الأنظمة والقوانين التقدمية جليلة الصياغات والتجليات اللفظية على الورق، ومعاقة وفكحاء على أرض الواقع.

وخلاصة القول عليك أن تكون وردة كي تنتج عطراً، لا أن تحقن نفسك بالعطر وسط عالم أزهرت فيه حقوق الإنسان وفاح أريجها.

العدد 1104 - 24/4/2024