سورية والمعاهدات الدولية ما بين الشك واليقين؟

حسن البني:

يُشّهَدْ للجمهورية العربية السورية منذ انضمامها لمنظمة الأمم المتحدة، أنّها كانت من أوائل الدول التي صادقت على العديد من الاتفاقيات، التي تمّ إقرارها في الأمم المتحدة، ومن أهم هذه الاتفاقيات التي نريد تسليط الضوء عليها هي: اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) ، التي تندرج تحت مسمى (الوثائق الدولية لحقوق الإنسان) وهي المعاهدات وغيرها من الوثائق الدولية، التي تتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد وفّرت هذه المعاهدات الغطاء، والحماية القانونية للكثير من الحقوق التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ونلاحظ أن الدولة السورية أبدت اهتماماً كبيراً بتنفيذ القرارات التي انبثقت عن هذه المعاهدات، فاتفاقية (سيداو) تمّ التّصديق عليها في 3 أيلول 1981، ووقّعت عليها أكثر من 189 دولة، حيث نرى أن لها أثراً إيجابياً في الاعتراف بدور المرأة الفعّال في المجتمع، وأيضاً الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل في كافة مجالات العمل، وهذا ما يتطابق مع الدستور السوري، الذي نص على حق المرأة في العمل، ونبذ العنف والتمييز ضدّها، بما لا يتنافى مع القوانين الدولية.

أمّا اتفاقية حقوق الطفل، التي دخلت حيّز التنفيذ في 2 أيلول 1990، فهي تهدف باختصارٍ إلى حماية الأطفال من التنكيل، والاستغلال، وحماية خصوصياتهم وألاّ يتم التعرّض لحياتهم، وكان لها أثر كبير في المجتمع السوري، خاصة في فترة التسعينات من القرن الماضي، حيث حدّت من ظاهرة تشغيل الأطفال، والتعرّض لهم بالضرب، أو الشتم وإساءة الوالدين لهم.

ومع هذا، نجد على المستوى المحلي من يشكّك بهذه الاتفاقيات، بل ويتعدى ذلك بالمناداة للخروج من هذه الاتفاقيات، وهم بهذا ينكرون لما تمّ تحقيقه والمنفعة الكبرى من هذه المعاهدات، إذا ما تمّ الإشراف على تطبيقها على أرض الواقع، بما يتناسب والمجتمع، فلا يزال حتى الآن هناك ممارسات مسيئة، تمارس بحق كل من الطفل والمرأة في مجتمعنا، ووجود مثل هذه المعاهدات يُعتبر بمثابة الشرعة، والقانون الدولي، والمحلي، الذي يدافع ويحفظ حقوق الإنسان على السواء، وهذا ما هو منصوص عليه أصلاً في الدستور.

ومن المفارقات أيضاً، وجود مشككين على المستوى الدولي، فعلى سبيل المثال، نجد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من كبرى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لا تنفّذ حتى الآن أياً من القرارات الواردة في هذه الاتفاقيات، بل إنها لم تصادق على بعض هذه المعاهدات، وحتى أنها تذهب في كثير من الأحيان إلى تعطيلها، وكذلك العديد من الدول التي مازالت تتحفّظ على مواد هذه المعاهدات، لأسباب دينية وسياسية، فدول مثل السعودية كانت تمنع المرأة والطفل من أبسط حقوقهما، فهي كانت حتى زمن غير بعيد تمنع المرأة من قيادة السيارة، أسوة بالرجل، مع أنها من جملة الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات مع وقف التنفيذ، وذلك ممّا يدعو للاستغراب والسخرية في بعض الأحيان.

لذلك أرى أن هامش ونصيب الفرد في سورية من الحريات كبير، وليس كما يدعي البعض ويشتكي من انتقاصٍ فيها، وانضمامها إلى هذه المعاهدات هو خير دليل على ذلك، لكن ما نحتاجه فعلاً هو تفعيلها بشكلٍ يمسُّ حياة المواطن والجيل الجديد، والشعور بأهمية احترام حقوق كلٍ من الطفل والمرأة، ومراعاة الفروق الفردية لكلٍ منهم، وأن نكون دائماً على يقين أن غداً سيكون أفضل من اليوم.

العدد 1105 - 01/5/2024