اتفاقيات تذروها رياح تخوين المجتمع وتحفّظ الحكومات

إيمان أحمد ونوس:

لا شكّ أن أيّ تغيير مجتمعي يحتاج إلى زمنٍ وجهد ليس بالقليل، ذلك أن الموروث القيمي بشتى اتجاهاته الدينية والأسرية وحتى السياسية والاقتصادية لا يزال راسخاً رسوخ الطود في الذهنية والثقافة المجتمعية.. ومن هنا، ما زال الحراك المدني الذي تقوده بعض الشرائح المثقفة السياسية والقانونية يتعثّر بتلك الذهنية ولا يلقى الصدى المطلوب، لا بل ويوصم دائماً بالتبعية للغرب حتى من قبل بعض المثقفين أو المحسوبين على تيارات مدنية وعلمانية، كما يتمُّ تخوين الناشطين/ـات في هذه المجالات من خلال العديد من التهم الأخلاقية التي تؤدي أحياناً إلى نبذهم اجتماعياً علماً أن ما يعملون عليه هو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمّت إليها سوريا(حقوق الإنسان، الطفل، مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة/ سيداو.. الخ) غير أن هذه الاتفاقيات بحدّ ذاتها ما زالت لدى غالبية الناس والعديد من المثقفين وحتى من بعض المعنيين بالأمر في الحكومة، ما زالت محطّ اتهام وتخوين وبأنها مجرد سياسات ومخططات غربية ترمي إلى تفكيك الأسرة والمجتمع، وتدعو لانحلال الفرد عبر الابتعاد عن القيم السائدة..

وهنا يمكننا استذكار فقط ما تعرّضت له بعض الناشطات النسويات والحقوقيات أثناء الحملة الداعية إلى رفع سن حضانة الأم لأطفالها بعد الطلاق، حيث قاد رجال الدين حملة مسعورة ضدّهن من على منابر الجوامع وتخوينهن واتهامهن بتهم لا تليق بأولئك الناشطات.

أمّا على المستوى الرسمي، فيمكننا أيضاً استذكار موقف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، وتجميد نشاطها من أجل الحضانة ومنح الجنسية للمرأة السورية المتزوجة من غير سوري، علماً أن هذه الرابطة من أقدم التنظيمات المدنية والمُرخص لها بالعمل منذ عام 1948، وهنا يتضح الموقف الرسمي للحكومة في تعاملها مع الحراك المدني من جهة، ومع موقفها من الاتفاقيات التي صادقت هي ذاتها عليها من جهة أخرى، حيث تجدر الإشارة إلى أن سورية قد تحفّظت على أهم المواد في اتفاقية السيداو أسوة بباقي الدول العربية والإسلامية تماشياً مع سيطرة رجال الدين والتشريع على الحياة الاجتماعية للناس وسطوة قوانين الأحوال الشخصية التي تعجُّ بمختلف أشكال التمييز ضدّ المرأة والطفل.

وبناء على هذا الواقع، فإن محاولات تغيير القيم والقوانين البالية سواء عبر الحراك المدني، أو الاتفاقيات الدولية، لا بدّ أن طريقها طويل ويحتاج لجهود ونَفَسْ أكثر طولاً وهدوءاً حتى لا تبقى تائهة ما بين التخوين والتحفّظ.

العدد 1107 - 22/5/2024