ليت كتّابنا يقدمون للثقافة بقدر وزارتها..!!

ليت كتّابنا يقدمون للثقافة بقدر وزارتها..!!
سامر منصور
لعلّ المقولة التالية لأفلاطون هي خير ما نفتتح به هذا المقال:
(نحن مجانين إذا لم نُفَكّر، ومتعصبون إذا لم نُرِدْ أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر)، وأضيف: كيف نفكر دون أن نتزود بكمٍّ من المعارف تكون عتبة ننطلق منها إلى فضاءات الإبداع والريادة، وهل لنا عن الكتاب بديل لنستقي منه المعارف..؟
مازال الكتاب رائجاً وموجوداً رغم ثورة التكنولوجيا التي طرحت بدائل عديدة وباعتقادي سيبقى.. وستبقى معارض الكتاب كظواهر اجتماعية لها مالها من ألق.. فوالله لا أحب إلى ناظري من شبابٍ يحملون كتباً قيّمة غير ملزمين بقراءتها وإنما يقرؤونها طوعاً.. وأجزم أنه ليس باستطاعتنا الوقوف على حال الكِتاب ما لم نقف على حال الكُتاب والمثقفين، هل هذا الكم الذي نراه من الكُتاب يحظى بسوية تؤهله أن يرفع عتبة الوعي الجمعي والذائقة الجمالية في مجتمعنا..؟ ولن أطرح معاييراً وطروحات تثير جدلاً كمقولة ت.س اليوت: (الشاعر الرديء يكون في العادة لا شعورياً حيث ينبغي أن يكون شعورياً، وشعورياً حيث ينبغي أن يكون لا شعورياً (بل سأكتفي بالقول إن أي عمل فني مميّز يأتي من إنسان مميّز له شخصيته ورؤيته الفريدة، وإن الذات الشاعرة تظهر أولا ثم تكتسب الفنيات والمهارات التي تخوّلها البوح والتعبير على طريقتها.. والكثير ممّن أراهم من كتّاب يوقعون كتبهم في تلك الفعاليات الثقافية أو يلتقطون صور الـ(سلفي) مع زملائهم كون العامة غير مهتمة باقتناء كتبهم وتبحث عن (الماركات) المعروفة كنزار قباني وشكسبير وغيرهما كما تفعل مع الألبسة وغيرها..
حقيقة الكثير من هؤلاء الذين أراهم هم أناسٌ بسّامون أنيقون يشبهون كثيراً غيرهم من الناس لذلك تتشابه مؤلفاتهم فيما بينها وحقيقةً لا ألمس ما يُقال عن المبدعين الكبار من صفات وخصائص لدى معظم هؤلاء، وأشعر أنهم أبناء الفرح والتصفيق وصور السلفي والاحتفاءات، وليسوا أبناء جراح الناس وقهر البؤساء.. يقول كافكا: ( إذا كان ما هو أشدُّ خطورة من الإفراط في المخدرات.. فهو دون شك الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء)، لا يعود السبب إلى كون البشر يعرفون وجوه لاعبي كرة القدم ونجوم الغناء وسباقات السيارات أكثر بكثير مما يعرفون وجوه الأدباء والفلاسفة إلى رغبة الرأسمالية العالمية بذلك لأنه يساهم في بث موجات الموضة، وإنما أيضاً يرجع ذلك لإيمان كل ذوي النفوس الكبيرة والفكر العميق عبر التاريخ بأن الإنسان، إنسان مهم بقدر ما هو صاحب مقولة بمعنى بقدر ما يستطيع أن يطالع ويضيف إلى ما وصلت إليه البشرية، ولذلك يشعر الكتّاب الحقيقيون بأن أرقى أشكال التواصل تتمُّ عبر الكِتاب مع القارئ ولا داعي لتسويق ونشر منظر الوجه على النحو الذي يقوم به المغنون أو الرياضيون وغيرهم..
ونرى نقيضاً لهذه الحالة مع الأسف في بعض المحافل الثقافية، حيث المجاملات والاستعراض وحب الظهور هو الطاغي، إن المقولة التي تنطبق على النسبة الغالبة من كتابنا (إنهم يكتبون كتابة جيدة.. لكن ليس لديهم ما يقولونه!) كما يقول جيل ميلر، وهذه أزمة حقيقية في خضمّ هكذا أحداث، حيث نجد حالة كورالية وسطحية عجيبة في التطرّق للوضع السوري لدى النزر اليسير من الشعراء والكتّاب، ونرى الأيديولوجيا تمتطيهم، ونجد العديد من المؤلفات أشبه بورقة من حقيبة رجل سياسة ولكن بلبوس أدبي..!!
ولعلّ سبب تحوّل أفراد كهؤلاء إلى ظاهرة، هو غياب أو عدم تفعيل دور المثقفين الحقيقيين الذين يؤمنون بالآداب والفن كقوة تأثير وأداة تغيير نحو إنسان أسمى، وغلبة النمط المناقض من المثقفين، ألاّ وهم المثقفين النفعيين الوصوليين الذين يتملقون السلطة ويطمحون إلى مراكز تتيح لهم مكتسبات شخصية معينة، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان ولا يعنيهم الارتقاء بالآداب أو التصدي للظواهر السلبية، وبوصلتهم ليست الفن والجمال أو الوطن الذي يدّعون عشقهم له، بل مصالحهم الشخصية.
حسب مشاهداتي، ازدادت نسبة الكتّاب من الإناث في سنوات الحرب وازداد إقبال الطبقة المترفة على خوض غمار الكتابة والآداب في ظلّ الحالة الوطنية الفيّاضة التي تُهيّج وجدان السوريين والتي استثمرها كل (فاضي أشغال) مترف لتعزيز(برستيجه) ممّا أفرز كمّاً على حساب النوع خاصة وأن الكثير من دور النشر تعمل بعقلية تجارية لا علاقة لها بالتنوير والحراك الفكري النهضوي، ومع الأسف نجد أن الكثير من الناس يرون الآداب في جملة الفنون الترفيهية ويرون القراءة لأوقات الفراغ، إن من يرى الكتّاب والشعراء الذين يقيمون حفلات توقيع لدواوينهم في معرض الكتاب بدورته الأخيرة في مكتبة الأسد، يدرك ضياع المعايير والطابع التجاري الذي غزا منذ زمن عقول عدد ليس بقليل من الناشرين، حيث نجد كاتباً كبيراً مشهودٌ له بالإبداع يوقع كتابه، وعلى بعد أمتار نرى متطفلين على مجال الآداب يوقعون كتبهم أيضاً.
أما عن رواد معارض ومهرجانات الكتاب فنسبة جيدة منهم شبابٌ متحمس للمعارف والاطلاع ونسبة أخرى أقل تأتي إلى هكذا فعاليات من قبيل (تغيير جو) وتقتني الكتب لتكون جزءاً من ديكور المنزل وتعطي انطباعاً لمن يشاهد هذه الكتب من الضيوف أن صاحب المنزل إنسان عميق، مثقف.

العدد 1105 - 01/5/2024