خير ونيس….

خير ونيس….
وعد حسون نصر
هو الكتاب أداة المعرفة والحكمة والترفيه، ووسيلة نقل المعلومات, رغم أنه أشبه بالشابكة في زمننا هذا، إلاّ أنه مازال إلى الآن عند البعض يحمل مكانته المرموقة، وعلى الرغم من انتشار العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي والحصول على المعلومة بطريقة سريعة لا تكلّف سوى البحث عبر المحرك(غوغل )، مازلنا نلاحظ أن الكتاب يحتفظ بمنزلته لدى نسبة من القرّاء من عشاق الورق ودغدغات الكلمات مع مذاق القهوة السادة ولفافة التبغ وموسيقى العود، ومازالت دور النشر تفتح أبوابها للأدباء، ومازال للكتاب معرض يرتاده المهتمون من أهل العلم.
بالرغم من كل هذا الحنين للكتاب ومحبة اقتنائه، إلاّ أننا نلاحظ قلّة الاهتمام باقتناء الكتب عند شريحة كبيرة وربما لمجموعة أسباب، لعل أولها ضيق الوقت في زمن باتت فيه لقمة العيش والحصول عليها سيدة الموقف، كذلك انتشار العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي وسرعة الحصول على المعلومة بمجرد عملية بحث سريعة، أيضاً الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية التي باتت تُخصص الوقت لتتحدث عن كل شيء علمي بالصوت والصورة اللذين هما أكثر متعة من الكلمات السوداء على خلفية بيضاء.
إضافة إلى المكتبات الالكترونية التي جعلتك تقرأ الكتاب من خلال الشاشة وتقص وتلصق ما تريد، أسعار الكتب باهظة الثمن في ظلّ دخل بات محصوراً بالأساسيات ولا مجال لاقتناء الكماليات على اعتبار أن الكتاب وخاصة الروايات والكتب غير المدرسية صُنّفت من الكماليات، المساحات الصغير للمنازل والتي جعلت من مكان المكتبة المنزلية طاولة للتلفاز أو مقعدا للجلوس..
أسباب كثيرة صرفتنا عن اقتناء الكتاب وأبعدتنا عنه رغم حبنا له، وبالمقابل أسباب كثيرة جعلت من شريحة معينة تقتني كتابا وإن لم تعرف ما في داخله، وخاصة ممّن يصفون أنفسهم بالمجتمع المخملي، فالكتاب لديهم أشبه بمزهرية باهظة الثمن، أو تحفة نادرة تدل على مكانتهم، أو شيء أشبه بصحن قيشاني يدل على عراقة الأسرة، ليس المهم المحتوى، المهم مكانه بالصالون كدليل على الرقي.
كذلك توجه البعض لاقتناء كتب الدين والأبراج والسحر للأسف والتي باتت رائجة بكثرة هذه الأيام.
ومهما تعددت الأسباب لتحولنا عن الكتاب لوسائل أكثر حداثة بالحصول على المعلومة، إلاّ أن مكانته مازالت محفوظة برائحة الأوراق وعبق الكلمات والخلفية البيضاء والنقاط المبعثرة جرّاء الطباعة وثني الورقة الدالة على (وصولنا لتلك الصفحة)، ومازال للكتب القديمة رونق ورقها الأصفر ورائحة الماضي وخاصة تلك التي تنشر الذكريات على أرصفة دمشق القديمة فتمزج عبق ماضيها بلون ورقها الأصفر، مع رائحة ياسمين دمشق وذكريات الحور والغار وروايات الكبّاد الشامي وعشقه للنارنج مع صديقته الدمشقية (بوكونيا) المنزل الدمشقي….

العدد 1104 - 24/4/2024