تجارتهم تغتال شغفنا وأحلامنا

تجارتهم تغتال شغفنا وأحلامنا

إيناس ونوس
لم يعد الحصول على أي كتاب أو مخطوط أمراً صعباً بوجود تكنولوجيا الإنترنت، كل ما علينا أن نكتب اسم الكاتب أو الكتاب حتى نصل لمبتغانا( ملفاً الكترونياً) نحمِّله بعدة لحظات فيكون بين أيدينا، حتى ما هو ممنوع من التَّداول أو ما أكل عليه الدَّهر وشرب… وبكل لغات الأرض… هذه الوسيلة التي وفَّرت على العديد عبء البحث والذَّهاب هنا أو هناك.
إلاّ أن للقراءة والتِّرحال بين صفحات الكتاب الورقي متعةٌ لا يدركها إلاّ من فتَّح عينيه عليها وعاش بين السَّطور وتنشَّق رائحة الورق وأحسَّ بملمسه، الأمر الذي منع انقراض المكتبات العامَّة أو الشَّخصية، بالرَّغم من هيمنة التكنولوجيا وسهولتها، وما يؤكِّده انتشار دور النَّشر ومشاركتها في المعارض والمحافل سواء كانت محلية أو خارج حدود البلاد، ونزهةٌ واحدةٌ في أرجاء معرض الكتاب الذي أقيم في مكتبة الأسد الوطنية منذ بضعة أيام كفيلةٌ بأن توضِّح أهمية الكتاب الورقي ومكانته، التي دفعت تجَّار الكلمة لرفع الأسعار بشكلٍ كبيرٍ وبحججٍ متنوعةٍ ليس أقلَّها أن من يريد امتلاك المعرفة لا بدّ له أن يدفع، ما منع العديد من اقتناء ما رغبوا باقتنائه، لكن لم يمنعهم من التجوال بين أرجاء تلك الدور ومحتوياتها تنهشهم الحسرة والخيبة والألم…
قد ساهمت التُّكنولوجيا الرَّقمية بشكلٍ أو بآخر بهذا الغلاء الفاحش، إلاّ أن تحوُّل العمل في نشر المعرفة والثَّقافة إلى مجرد تجارٍة لا هدف لها سوى الرِّبح هو أحد أهم أسباب رفع الأسعار.
لم ينكفئ القرَّاء عن اقتناء الكتاب الورقي بمحض إرادتهم، والدَّليل على ذلك نسبة عدد زوَّار المعرض، إلاّ أن التَّحليق الخيالي في الأسعار جعل الغالبية منهم مجرَّد زوَّار فقط، فقانون العرض والطَّلب والذي من المفترض به أن يدفعهم للشِّراء لم يكن موجوداً على أرض الواقع، فالعروض كثيرةٌ والطَّلب كثيرٌ أيضاً إنَّما المانع الاقتصادي هو الذي عرقل تلك المعادلة، ما دفع بالعديد من الزُّوار لمنع أنفسهم من الشِّراء في الوقت الذي كانوا ينتظرون هذه الفرصة للحصول على مبتغاهم لاعتقادهم أنَّ الأسعار في هذه المعارض أقل ممّا هي عليه في السُّوق نظراً للتَّنافس المباشر في المدَّة الزَّمنية المحدودة، لكن العكس هو الذي حصل وللأسف الشَّديد!!!
أصبحت حياتنا بمختلف جوانبها مجالاً للتِّجارة وبكل المستويات من قبل سارقي الحياة، فلم يتركوا لنا مجالاً إلاّ ويعملون على الإفادة منه لتحقيق مصالحهم الخاصَّة، حتى تلك المجالات التي تمنحنا بعض الرَّاحة أو التَّوازن الدَّاخلي ومنها اقتناء كتاب!!! فأي حلمٍ هذا الذي نحلم به؟؟!!! وأي مجرمون هم؟؟؟!!!

العدد 1102 - 03/4/2024