مساواة المرأة في الدستور السوري

مصححة
مساواة المرأة في الدستور السوري
صفوان داؤد
خلال أكثر من نصف قرن، أُعلنت أكثر من عشر اتفاقيات دولية اهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إعلان حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة، واتفاقية (سيداو)، كرست (نظرياً) حقوق المرأة، لكن على أرض الواقع مازال هذا المنال بعيداً. وفي عام 1995 أُقِرَّ في مؤتمر المرأة العالمي الرابع المنعقد في بكين، (الكوتا النسائية) التي تعني تخصيص حد أدنى من المقاعد في المجالس الوطنية المُنتخبة وهي 30% لرفع نسب إشراك المرأة في عملية صنع القرار. فما هو موقف الدستور السوري الذي يُفترض انه سيحدد موقفاً متساوياً وعادلاً لكل المواطنين؟ ماهي الخيارات التي قدمها المشرّع السوري لتثبيت مساواة المرأة؟ وكيف تعامل الدستور 2012 الساري حالياً مع الحقوق الأساسية لها؟

صدر منذ تأسيس الدولة السورية بمفهومها الحديث عام 1920، خمسة عشر دستوراً، ما بين دستور دائم أو مؤقت أو معدّل أو إقرار عودة لدستور أسبق. يعود سبب هذا العدد الكبير إلى الانقلابات العسكرية والتحولات السياسية العديدة التي مرت بها سوريا. وُضِع أول دستورٍ للبلاد عام 1920 وهو دستور المملكة العربية السورية الذي اعتبر سورية دولة ملكية مدنية نيابية. في عام 1928 وضعت (الجمعية التأسيسية) المنتخبة شعبياً دستوراً جديداً للبلاد، اعتبرت فيه سورية جمهوريةً نيابية عاصمتها دمشق ودينها الإسلام، وفي عام 1930 تم تعديله بأمر من المندوب السامي الفرنسي. في عام 1947، وبعد عام على الاستقلال عدّل الرئيس شكري القوّتلي الدستور؛ محوّلاً النظام الانتخابي من مرحلتين إلى مرحلة واحدة، ثم عدله مرة أخرى عام 1949 ليسمح من خلاله بانتخاب الرئيس لولاية مباشرة بعد ولايته الاولى. في آب من نفس العام دعا قائد الانقلاب العسكري سامي الحناوي لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، الذي صدر مع إقرار قانون جديد للانتخاب، وشاركت المرأة السورية فيه للمرة الأولى في اقتراع عام 1949. وتعتبر سورية أول دولة عربية ومشرقية ومن أوائل الدول في العالم التي سمحت بحق المرأة في التصويت، وهي سبقت سويسرا (1951) واليونان (1957).
إذاً، قبل هذا التاريخ لا يمكن الحديث على جندرية الدستور السوري.

لقد تجاهل الدستور الحالي الكثير من الحقوق الضامنة للمرأة، دون آليات واضحة لتنفيذها. مثلاً في نص المادة 23 منه نجد (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع). في هذه المادة حلّت كلمة تعمل محل كلمة (تضمن) أو (تلتزم). وبحسب تقرير صادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 عن (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية السورية) فقد خلا دستور 2012 من مادة صريحة تحدد مفهوم التمييز ضد المرأة وتحظره، وتجاهل ايراد اي مادة تنص على حماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي أسوة بدساتير العديد من دول العالم، بما في ذلك دساتير بعض دول المنطقة. ومن المعروف أن العنف القائم على النوع الاجتماعي هو ظاهرة راسخة في المجتمعات الشرقية، ومنها المجتمع السوري الذي يتحدد بمجموعة من القوانين التمييزية ضد المرأة نجدها مثلاً في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف. ويبين مؤشر المساواة بين الجنسين، وهو مقياس مركّب أوجده برنامج الامم المتحدة الإنمائي ليعكس التفاوت بين الرجل والمرأة من حيث الصحة الإنجابية والتمكين وسوق العمل، أنه في عام ٢٠١٠ (اي قبل اندلاع الأزمة السورية) كانت سورية تقع في المرتبة ١١٨ من أصل ١٤٨ دولة تم تقييمها دون أي تقدم منذ عام 2000.

منذ الاستقلال وكما هو حالها في الواقع الاجتماعي، عانت المرأة السورية في التشريع وفي الدستور، من التهميش. ولم تتغير إلا في الشكل بنود الدساتير المتعاقبة المتعلقة بحقوقها، فهي لم تخرج عن قيم البناء الفوقي للمجتمع الذي تحكمه النظرة الذكورية المستبدة. لقد أُفرغت الحقوق الدستورية المُعطاة للمرأة من مضامينها من خلال تقييدها بتشريعات أخرى تتعارض معها وتحد منها. ونجد في قانون الأحوال الشخصية السوري العديد من هذه التشريعات، منها مثلاً قانون الجنسية السوري رقم ٢٧٦ لعام ١٩٦٩ الذي بموجبه لا تستطيع المرأة السورية إعطاء الجنسية لأبنائها، وينص البند 3/أ: (يعتبر عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري).

رغم أن دستور 2012 يشير إلى الحقوق المدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحماية الأمومة ومسؤولية الدولة في رعاية القاصرين وكبار السن والمعاقين، إلا أنه يفتقد إلى بنود خاصة تعزز المساواة. مثلاً لا يرد أي بند دستوري صريح مساواتها بالرجل في الحصول على الأجر نفسه عن العمل نفسه، أو حقوق متساوية للرجل والمرأة في الملكية وإدارة الملكيات المشتركة بين الزوجين. أو التجريم الصريح (وليس العام) للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحول هذه الحيثية لا يكفي أبداً دمجه في حقوق اخرى في دستور بلاد حيث التقاليد الاجتماعية الشرقية هي السائدة فيه.
إن انتهاك حقوق النساء تحت ذريعة الدين أو العرف خطر ملموس ويومي يواجه المرأة السورية، وهو في الأوساط المتدينة يظهر كما لو انه مبرر ومشرع لخضوعه لقانون ديني أو عرفي، وهو أخطر بكثير من خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي المرفوض (نظرياً) ومحظور بالنصوص التشريعية. إن وجود نص صريح في الدستور يحمي المرأة من العنف لا يقتصر فقط على حمايتها من مبرر العرف الاجتماعي، بل أيضا لتقييد ومنع إصدار تشريعات لاحقة تستند إلى الدين (المصدر الأساسي للتشريع) يعيد سحب حقوقها، وهو ما يحدث عادة في قوانين الأحوال الشخصية.

العدد 1105 - 01/5/2024