الخوف على العراق ليس من التظاهرات المطلبية بل من التفكيك!

الخوف على العراق ليس من التظاهرات المطلبية بل من التفكيك!

لم يتعافَ العراق حتى الآن من آثار الاحتلال الأمريكي – البريطاني له، وتداعياته، بدءاً من تسريح جيشه وتدمير مؤسساته ونهب نفطه وزرع الانقسامات العرقية والطائفية والمذهبية بين أبنائه، وإقامة حكم فيه يستند إلى نظام المحاصصة والمناطقية والعشائرية، بموجب دستور صوري ومشبوه صاغه الحاكم العسكري الأمريكي آنذاك: بريمر، كل هذا أدى بطبيعة الحال إلى إفقار الشعب العراقي بالدرجة الأولى، وازدياد معاناته من سوء الخدمات الحياتية ومتطلبات العيش الأساسية، من ماء وكهرباء وحاجات مجتمعية وضرورية أخرى، وبالتالي فإن التظاهرات الغاضبة التي يشهدها العراق منذ أسابيع، ما هي إلا وسيلة للتعبير عن مدى التراكمات المخزونة في الوجدان العراقي الشعبي منذ الاحتلال الأمريكي حتى الآن، وبضمن ذلك ما عاناه هذا الشعب في أعقاب هذا الاحتلال من جور وظلم تنظيم داعش الإرهاب الذي احتل جزءاً كبيراً من الأراضي العراقية، بدعم أمريكي خليجي تركي، وأقام فيها دولته المزعومة وعاصمتها الموصل.
ولكن مع هذا، فإنه لا خوف على الشعب العراقي من هذه التظاهرات والاحتجاجات المطلبية المحقة، بل الخوف الحقيقي هو من التحركات الصامتة والخفية باتجاه التفكيك، وتحويل النزاع إلى انقسامات في الوحدة الوطنية بما قد يقود إلى تمزيق العراق الواحد إلى دويلات متنازعة ومتقاتلة يلجأ بعضها إلى الاستقواء بالخارج، وتحويله إلى ساحة للفتنة والفوضى من جديد على النحو الذي كان سائداً بعد الاحتلال الأمريكي، وإيصال العراق إلى مرحلة ما قبل الدولة، وكأن كل ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بالعراق ليس كافياً!
من المعروف والمؤكد أن تمزيق الجيش العراقي وتسريحه، وتفكيك الدولة العراقية، لم يكن مطلباً أمريكياً وحسب، بل مطلباً إسرائيلياً ملحاً، لأنه يخدم الاستراتيجية الصهيونية العدوانية التوسعية الهادفة إلى إقامة الدولة اليهودية الكبرى في المنطقة العربية وعلى حساب شعوبها.
وكما أصبح واضحاً من خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة ولاتزال، لم يكن العراق مستهدفاً وحده من قبل المخطط الأمريكي – الإسرائيلي، بل كل الدول العربية كانت مستهدفة، وخاصة منها المجاورة لإسرائيل، من دون أن تدرك بعض الدول العربية التي شاركت وأسهمت في غزو العراق واحتلاله وتدميره، أبعاد المخطط العدواني، ولم تقدّر أن احتلال العراق سيطلق شهوة بعض دول الجوار الإقليمي مثل تركيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ليكون لهم نصيب من الساحة العربية المفككة والمهددة بالتقسيم.
الآن اتضحت الصورة أكثر فأكثر، فما حدث في سورية من حرب إرهابية كونية عليها منذ أكثر من سبع سنوات خير مثال على ذلك، كذلك يحاول أطراف المخطط وصانعوه أن يضعضعوا استقرار مصر وتفكيكها من خلال مجموعات إرهابية من داعش وأنصار الشريعة وغيرهما من المجموعات التخريبية التابعة للإخوان المسلمين، ولم تسلم ليبيا وتونس أيضاً من هذا المخطط ولا حتى الجزائر.
إذاً، ومن خلال ما تقدم يتضح أن العراق كان حقل التجارب الأول، سواء من حيث زرع الفوضى، أو من حيث محاولات إنعاش النعرات الطائفية والمذهبية التي كانت قد اختفت إلى حد بعيد.
الخلاصة، بناء على تقدم، نقول من المؤسف ألا تدرك الأنظمة العربية الحاكمة خطورة هذا المخطط الأمريكي – الصهيوني تجاه الوطن العربي، بل ومن المؤسف أكثر أن تشارك بعض هذه الأنظمة (عن قصد أو عن غير قصد) بتنفيذ هذا المخطط، وأن تقع في الشرك الذي أعد لها، وأن تتجاهل في الوقت نفسه أن سلامتها وسيادتها على أراضيه واستقلالية قرارها الوطني، كل ذلك يتوقف على سلامة بقية الدول العربية وسيادتها، وبالتالي فمن الضرورة بمكان أن تعود كل الدول العربية إلى الرحاب القومي الواسع عن مفهوم أو سياسة التبعية والاستقواء بالأجنبي.
على أي حال، إن في العراق الشقيق، ولا شك، قوة وجدانية شعبية عظيمة ترفض تركيع العراق أو إخضاعه لصالح أي احتلال أو حكم طائفي، وإن هذه القوة هي صمام الأمان لكل العراقيين، ولوحدتهم الوطنية، وصمام أمان للعرب جميعاً في أقطارهم كافة.
د. صياح عزام

العدد 1105 - 01/5/2024