الفساد الكبير يُسهّل على الغرب تشييء الإنسان

مصححة
الفساد الكبير يُسهّل على الغرب تشييء الإنسان
سامر منصور
لعلَّ من ولد في هذا الزمان ونظر إلى الأزمنة الغابرة يقول حمداً لله أنني لم أُخلق في زمن العبيد أو أزمنة تسلّط الملوك والنبلاء ورجالهم على الناس. لكن ما إن يتقدم في خضمّ الحياة ويدرك أننا في عصر تشييء الإنسان، وينظر إلى حال قارة إفريقيا التي لطالما كانت مستودع الطاقة البشرية للعديد من الدول الاستعمارية، وكانت على ثرائها وما تزال بائسة مريضة جائعة، حتى يجد أن هذا العصر له عيوبه الخطيرة أيضاً، فربما لم يعد هناك من يُحضِر السوط ويقتادنا إلى العمل لخدمة مصالح السادة وترفيههم، ولم يعد هناك من يبيع ويشتري الفتيات الحسناوات أو الغلمان كخدم… لكن الحاصل أقبح!
فنحن العرب، في ظلّ هذه الظروف المأساوية التي نعيشها، ورغم أننا في أثرى بلاد العالم بالموارد الطبيعية والخيرات والموقع المتميّز، إلاّ أن كل هذا في يد فئة متسلّطة فاسدة لا تتعدى الـ 2 بالمئة من العرب، تمتلك ثروات المنطقة العربية برمتها، ويعيش ما تبقى على الفُتات والآمال والشعارات. وها نحن نرى اليوم من الآباء من يدفعون بأبنائهم حتى لو كانوا طلبة جامعيين نحو أيّ عمل، ومن ذلك الخدمة في المطاعم والمقاهي المنتشرة بشكل كبير (نارة ياولد!) وهاهي الملاهي الليلية والمراقص تغصُّ بكثرة الفتيات اللواتي لا يقتصر وجودهن على هذه الأماكن، فمنهن من تتغنّج وتغوي أثناء ممارستها لمهن مثل مندوبات المبيعات وغيرها.
وإذا أردنا الحديث عن الوضع في سورية نرى أعداداً ليست بالقليلة اعترفت عبر شاشات التلفزة أنها باعت نفسها للمجموعات المسلحة وعملت مرتزقة ضدّ وطنها وشعبها. لم يعد هناك داعٍ لمن يكبّلنا ويتاجر بنا، نحن نبيع قيمنا بأنفسنا مقابل لقمة العيش، بدليل أن الدول العربية هي من أكثر دول العالم التي ينتشر فيها الفساد وفق كل الإحصائيات التي يُجريها أبناء الجنس البشري، وإن المشكلة تكمن في تلاشي الشعور بالقهر والغضب لدى من يعملون بما لا يتناسب مع مؤهلاتهم وكفاءاتهم، وتعوّدهم على قبول التسلط عليهم وتدجينهم من قبل أسرهم وللقطاع الخاص. في سورية مثلاً تاريخ طويل من محاولات عدد ليس بقليل من أربابه الجشعين إقامة ما يُسمى قانونياً (عقود الإذعان) وإلى اليوم يلتف الكثير من أرباب العمل على القانون الذي لا يسمح باستغلال الآخرين تحت مسميات تعاقدية.. ونحن لا نقصد التعميم في حديثنا، لكن هذه الظواهر ليست بالظواهر العابرة أو البسيطة، بل هي ظواهر كبرى ممتدة منذ عهود الاستعمار.
واليوم نسمع عن حالات نادرة يُساق فيها الناس بأمر من صاحب سلطة مؤتمن على شبابنا، خان الائتمان وجعل العديد من شبابنا خدماً في منزله يطبخون وينظفون ويدرّسون أولاده ويخرجون في مواكب مرافقة مع زوجته، وآخرون من المتسلّطين لديهم أراضٍ (يفلحون) على شبابنا فيها. إضافة إلى الاتجار بشكل علني ومباشر بالسوريين الفارّين من الويلات في سورية من قبل بعض الأتراك وغيرهم ممّن تسلّطوا على مخيمات النازحين والمهجرين السوريين. والحل بعد انتهاء الحرب يكمن في لجم قرابة مئتي حوت من حيتان الفساد على الأقل، الذين يشكّلون السند وحبل النجاة لبقية الفاسدين في البلاد، وعندما تقوم الدولة بذلك ستكون قد أنقذت دماء عشرات آلاف الشهداء من أن تذهب هدراً، وستكون أنقذت مستقبل سورية وأعطتها سانحة جديدة لتنهض وتصبح دولة متقدمة رائدة كما ينبغي لها أن تكون، ومن جهة أخرى يجب مواجهة العولمة ومساعي الإمبريالية العالمية إلى تشييء الإنسان وتحويل كل ما على الأرض إلى قيمة استعمالية، لها مُقابل مالي، وتجاوز مسألة الأخلاق على اعتبار أنها عوائق تحول دون تسليع الإنسان وجعله يبيع نفسه مقابل المال(جُملة ومفرّق) أي تجارة الأعضاء وتجارة البشر. وعندما يعتاد الناس هذه المسائل ويقبلون بها ويظنون أن لديهم مصالح مالية تعطّلها التشريعات القانونية سيطالبون بتشريع تجارة الأعضاء في بلادهم وغيرها وخاصة في دول إفريقية حيث معظم الحكومات والأنظمة مخفقة، وبعضها عميل للغرب، تقوم من حيث لا تشعر عبر فسادها الكبير بدفع البشر دفعاً نحو الدعارة والقوادة وتجاره الأعضاء، ثم تعاقبهم إن ضبطتهم يقومون بذلك.

العدد 1104 - 24/4/2024