مستقبل القضية الفلسطينية… والخيارات المؤجلة!

 عبرت القيادة الفلسطينية عن استنكارها الشديد لما ورد في خطاب الرئيس أوباما أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية كارولينا يوم 6/9/،2012 الذي أعلن فيه اعتراف الحزب الديمقراطي الأمريكي بـ»القدس عاصمة لدولة إسرائيل».. وبذلك يكون أوباما قد أبدى استعداده لخوض »صدام سياسي» لمنع الجانب الفلسطيني من طرح قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود حزيران عام ،1967 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، ونبه الفلسطينيين إلى أن «التصويت في الأمم المتحدة لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة».

أما مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني، فوعد أمام مؤتمر حزبه الجمهوري بأن »الولايات المتحدة ستقف في وجه أية جهود للاستفراد بإسرائيل في الأمم المتحدة أو أي محفل دولي، لأن شرعية إسرائيل أمر لا جدال فيه». وبذلك يسعى كلا المرشحَيْن أوباما ورومني لتقديم أوراق اعتمادهما إلى إسرائيل، من أجل الحصول على دعم اليهود الأمريكيين وأصواتهم في معركة الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 6 تشرين الثاني من العام الحالي.

مهما يكن فالرئيس أوباما يدرك أن الفلسطينيين لن يتمكنوا في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في الشهر الجاري، من الحصول على وضعية دولة كاملة العضوية، وإنما دولة »غير عضو»، على الرغم من أنه »صانع استحقاق أيلول» حسب تعبيره قبل عامين عندما قال: »آمل رؤية فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة مع التئام اجتماع الجمعية العامة في أيلول 2011»، لكنه أصبح الآن يعبر عن مزيد من القلق إزاء تزايد الاعترافات الدولية بدولة فلسطين في حدود عام ،1967 ومخاطر ظهور الولايات المتحدة في صورة الدولة شبه الوحيدة المعارضة لذلك في الجمعية العامة ومجلس الأمن، إلى جانب إسرائيل بصفتها قوة الاحتلال، وربما مكرونيزيا، التي تقع ضمن أرخبيل جزر الهند الشرقية، وترتبط بمعاهدة »اتحاد حر» مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ما الذي يعنيه استحقاق أيلول الحالي؟

لجوء القيادة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، ربما لا يقود إلى الإقرار باستقلال دولة فلسطين، بما يترتب على ذلك من إجراءات يجب اتخاذها من المنظمة الدولية لتجسيد هذا الاستقلال وفرض إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. غير أن النجاح في نهاية المطاف في الحصول على قرار جديد من الجمعية العامة يؤكد حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال في دولة معترف بها، ومن حقها عضوية جميع هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها، من شأنه أن يوفر دعماً دولياً غير مسبوق لشرعية المطلب الفلسطيني بالاستقلال وتقرير المصير والخلاص من الاحتلال، من حيث عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، وأن يظهر عزلة الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، ونزع الشرعية عن دولة الاحتلال، الأمر الذي سيدفع إدارة أوباما عشية العام الأخير من ولايته وأثناء التوجه إلى انتخابات رئاسية جديدة، وكذلك إسرائيل، إلى شن حملة دولية لتجنيد مواقف الدول الكبرى، لإجهاض التحرك الفلسطيني الدبلوماسي قبل وصوله إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب المعطيات السابقة، فإن استحقاق أيلول الحالي ليس سوى معركة سياسية جديدة على المستوى الدولي، ستقود إلى قبول فلسطيني »دولة غير عضو في الأمم المتحدة»، مادامت الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير الحماية لدولة الاحتلال في المحافل الدولية.. وهنا يجدر بالفلسطينيين التوافق على استراتيجية شاملة للتحرر من الاحتلال والعنصرية، تستند إلى توسيع أفق المجابهة السياسية والدبلوماسية على المستويات الدولية لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال إسرائيل، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في مواجهة الانحياز الأمريكي إلى جانب إسرائيل.. وحينئذ يمكن أن تندرج خطوة التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبول عضويتها، كأحد مكونات هذه الاستراتيجية، وذلك إلى جانب خطوات أخرى عديدة لمحاصرة الموقفين الإسرائيلي والأمريكي وعزلهما في مختلف المحافل الدولية.

ووفقاً لمواقف فلسطينية نقدية، فإن مثل هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا قامت على روافع أساسية، أهمها التعامل مع مسار المصالحة بصفته محطة في عملية إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ككيان تمثلي حقيقي ووحيد لكل الفلسطينيين أينما يكونون، وتعزيز مقومات الصمود والمقاومة الشاملة في مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، عبر توظيف متغيرات ربيع الثورات العربية لإطلاق حالة نهوض فلسطيني، استناداً إلى برنامج سياسي توافقي قادر على مخاطبة المجتمع الدولي، وحشد الدعم لقضية التحرر من الاحتلال والعنصرية، شرط أن يعتمد خطاب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وروايته لوجوده على أرض وطنه، والصراع عليها في مواجهة زيف الرواية الصهيونية التي تبناها كل من مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي »رومني وأوباما».

مصالحة ولكن مع وقف التطبيق!

يشكل انطلاق مسار المصالحة الوطنية الحجر الأساس لأي مسعى يهدف إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، بما يصوب العلاقة بينهما لمصلحة تكريس مرجعية الأولى في صناعة القرار الوطني، ويفتح المجال أمام مراجعة سياسية نقدية للمسار الذي أدى إلى الانشغال بعملية تفاوضية عبثية، وإلى تراجع الفعل الوطني الكفاحي والانقسام، وتقدم مشروع الاستيطان والتهويد على الأرض، بحيث تشكل هذه المراجعة أساساً للتوافق على مرتكزات استراتيجية متكاملة وقادرة على تغيير مثل هذا المسار.

هذه مهمة مشروعة وطموحة عبرت عنها مواقف فلسطينية عديدة، وإذا كانت مجريات تنفيذ اتفاق المصالحة لا تبدو مرئية منذ توقيعه في عدد من العواصم العربية، بدءاً من »مكة وانتهاء بالقاهرة مروراً بالدوحة». فالاتفاق الأخير الموقع عبارة عن محضر تفاهمات بين حركتي فتح وحماس بشأن تأليف حكومة من »كفاءات وطنية» تهيئ الأجواء لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في الشتات، على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، حسب تعبير الرئيس أبو مازن في مؤتمره الصحفي يوم 8/9/2012 في رام الله.

وتكمن المعضلة الأولى في الاتفاق على إمكان انفجار موضوع الأمن في طريق المصالحة في أي لحظة، إذ جرى الاكتفاء بالتوافق على تشكيل اللجنة الأمنية العليا، من دون توفر إرادة سياسية لدى حركتي فتح وحماس، من أجل إعادة بناء المؤسسة الأمنية بشكل موحد ومهني بعيداً عن الحزبية والفئوية.

أما المعضلة الثانية فتكمن في التناقض الوارد في النص المتعلق بالإطار القيادي المؤقت.. ففي حين اتفق في النصف الأول من النص على أن »مهام وقرارات الإطار القيادي المؤقت غير قابلة للتعطيل»، الأمر الذي أثار خلافاً في تفسير كل من حركتي فتح وحماس لهذا النص الملتبس أصلاً، في حين رأت حماس أن الإطار القيادي المؤقت يشكل الهيئة المرجعية العليا لاتخاذ القرارات بشكل توافقي، أكدت فتح أن اللجنة التنفيذية لـ»م.ت.ف» تبقى المرجعية العليا.

وتكمن المعضلة الثالثة في رزمة الانتخابات التي اتفق على إجرائها، ولا سيما من حيث مايلي: يفترض أن تنحصر مهمة »حكومة التكنوقراط» في تسيير إدارة شؤون الضفة والقطاع، وهي بذلك لا تمثل إلا الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ولا يعقل أن تعهد إليها مهمة توفير الأجواء لانتخابات المجلس الوطني التي تحدّ من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية »حيثما أمكن».

بعد انغلاق أفق المصالحة.. لابد من انتفاضة لإنهاء الانقسام

إذا كانت الشعوب العربية تثور وتنتفض بسبب الفقر والجوع والبطالة، فكل ذلك عند الفلسطينيين أكثر وأشد وطأة، وإن كانت تثور بسبب التفاوت في الثروة وغياب العدالة الاجتماعية، فلدى الفلسطينيين من أغنياء السلطة والانقسام والأنفاق والحصار والفساد السياسي ما يشكل طبقة منتفعة أكثر استغلالاً مما هي في الدول العربية الأخرى. أما إذا ثار الشباب وأبناء الشعب لأنهم فقدوا المراهنة على الأحزاب التقليدية الشمولية، سواء اليسارية أم اليمينية، والتي بات همها البحث عن بعض المكاسب وبعض مقاعد المؤسسة التشريعية الزائفة، فإن حالة فصائلنا وأحزابنا الفلسطينية باتت عبئاً على الحالة الوطنية، وتكيفت مع حالة الانقسام، وبالتالي لا شيء يمنع الشباب الفلسطينيين من الانتفاضة من دون انتظار إذن من الفصائل والأحزاب أو مشاركتها.. وإذا ثارت الجماهير العربية بسبب غياب الديمقراطية أو نقص فيها، فالديمقراطية في فلسطين المحتلة ولدت متعثرة وشكلية، بل حتى الديمقراطية الشكلية وئدت مباشرة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة عام ،2006 وما تبعها من انقلاب »حماس» ثم الانقسام.. وإذا ثارت الجماهير العربية بسبب امتهان الكرامة وغياب الحريات، فحدث عنهما بلا حرج عند الفلسطينيين، فهل هناك امتهانٌ للكرامة وإذلال لإنسانية الفلسطيني أكثر من الاحتلال؟

نعم، الشعب الفلسطيي اليوم أحوج، أكثر من أي يوم مضى، إلى تجديد الانتفاضة، ومواصلة مقاومة الاحتلال بكل فصائله وقواه ومنظمات المجتمع المدني في الداخل والشتات، والضغط للتسريع بالمصالحة، وملاقاة رياح التغيير في المنطقة والعالم وصولاً إلى الاعتراف الدولي الكامل بدولة فلسطينية مستقلة يستحقها الشعب الفلسطيني.

العدد 1105 - 01/5/2024